الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

{ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } في طاعته { يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً } أي: طريقاً يراغم فيه أنوف أعدائه القاصدين إدراكه { كَثِيراً وَسَعَةً } أي: في الرزق، أو في إظهار الدين، أو في الصدر، لتبدل الخوف بالأمن { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ } بمكة: { مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ } إلى طاعته، أو إلى مكان أمر الله { وَ } إلى { رَسُولِهِ } بالمدينة { ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ } أي: في الطريق قبل أن يصل إلى المقصد { فَقَدْ وَقَعَ } أي: ثبت { أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ } أي: فلا يخاف فوات أجره الكامل، لأنه نوى مع الشروع في العمل، ولا تقصير منه في عدم إتمامه { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } فيغفر له ما فرط منه من الذنوب التي جملتها القعود عن الهجرة إلى وقت الخروج، ويرحمه بإكمال ثواب هجرته.

تنبيهات

الأول: فيما روي في نزول الآية، أخرج ابن أبي حاتم وأبو يعلى بسند جيد عن ابن عباس قال: خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجراً، فقال لأهله: احملوني فأخرجوني من أرض المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فنزل الوحي: { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ... } الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن أبي ضمرة الزرقي، الذي كان مصاب البصر، وكان بمكة، فلما نزلت:إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } ، فقال: إني لغنيّ وإني لذو حيلة، فتجهز يريد النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأدركه الموت بالتنعيم، فنزلت هذه الآية: { وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ... } إلى آخرها. وأخرج ابن جرير نحو ذلك من طرق، عن سعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والسدّيّ والضحاك وغيرهم، وسمي في بعضها ضمرة بن العيص، أو العيص بن ضمرة، وفي بعضها جندب بن ضمرة الجندعي، وفي بعضها الضمري، وفي بعضها رجل من بني ضمرة، وفي بعضها رجل من خزاعة، وفي بعضها رجل من بني ليث، وفي بعضها من بني كنانة، وفي بعضها من بني بكر.

وأخرج ابن سعد في الطبقات عن يزيد بن عبد الله بن قسيط؛ أن جندع بن ضمرة الضمري كان بمكة، فمرض، فقال لبنيه: أخرجوني من مكة فقد قتلني غمها، فقالوا: إلى أين؟ فأومأ بيده نحو المدينة، يريد الهجرة، فخرجوا به، فلما بلغوا أضاة بني غفار، مات، فأنزل الله فيه: { وَمَن يَخْرُجْ... } الآية.

وأخرج الأمويّ في (مغازيه) عن عبد الملك بن عمير قال: لما بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلى الله عليه وسلم، أراد أن يأتيه، فأبى قومه أن يَدَعوه، قال: فليأت من يبلغه عني ويبلغني عنه، فانتدب له رجلان، فأتيا النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالا: نحن رسل أكثم بن صيفي وهو يسألك: مَنْ أنت؟ وما أنت؟ وبم جئت؟ قال: " أنا محمد بن عبد الله، وأنا عبد الله ورسوله، ثم تلا عليهم:

السابقالتالي
2 3