{ مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } أي: فإن إخباره عن محاورة الملائكة، وما جرى بينهم، على ما ورد في الكتب المتقدمة، من غير سماع ومطالعة كتاب، لا يتصور إلا بالوحي. قال القاشانيّ: وفرق بين اختصام الملأ الأعلى واختصام أهل النار بقوله في تخاصم أهل النار: { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ } وفي اختصام الملأ الأعلى: { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } لأن ذلك حقيقيّ لا ينتهي إلى الوفاق أبداً، وهذا عارضيّ نشأ من عدم اطلاعهم على كمال آدم عليه السلام، الذي هو فوق كمالاتهم، وانتهى إلى الوفاق عند قولهم:{ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ } [البقرة: 32]، وقوله تعالى:{ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [البقرة: 33]، على ما ذكر في البقرة عند تأويل هذه القصة. انتهى. وبالجملة، فالاختصام المذكور في الآية، هو المشار إليه في قوله تعالى:{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة: 30] قال الرازيّ: وهو أحسن ما قيل فيه. ثم قال: ولو قيل: كيف جازت مخاصمة الملائكة معه تعالى؟ قلنا: لا شك أنه جرى هناك سؤال وجواب، وذلك يشابه المخاصمة والمناظرة، والمشابهة علة لجواز المجاز، فلهذا السبب حسن إطلاق لفظ المخاصمة عليه. انتهى. وملخصه: أن { يَخْتَصِمُونَ } استعارة تبعية لـ (يتقاولون). وقيل: معنى الآية نفي علم الغيب عنه صلى الله عليه وسلم، وردّ اقتراحهم عليه أن يخبرهم بما يحدث في الملأ الأعلى من التخاصم، كقوله تعالى:{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } [الأنعام: 50]، وقوله تعالى:{ قُلْ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِنْدَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [الملك: 26] ولذا قال بعد: { إِن يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَآ... }.