الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ }

{ جُندٌ مَّا } أي: هم جند حقير { هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ } أي: الذين كانوا يتحزبون على الأنبياء قبلك، وأولئك قد قهروا وأهلكوا. وكذا هؤلاء. فلا تبال بما يقولون، ولا تكترث لما به يهذون. و { هُنَالِكَ } إشارة إلى حيث وضعوا فيه أنفسهم من الانتداب لمثل هذا القول، فهو مجاز. وجوز أن يكون حقيقة، للإشارة إلى مكان قولهم وهو مكة. قال قتادة: وعده الله وهو بمكة يومئذ، أنه سيهزم جندا من المشركين. فجاء تأويلها يوم بدر.

وقال ابن كثير: هذه الآية كقوله جلت عظمته:أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [القمر: 44-45] وكان ذلك يوم بدر، وفي الآية أوجه من الإعراب أشار لها السمين بقوله: { جُندٌ } يجوز فيه وجهان: أحدهما - وهو الظاهر - أنه خبر مبتدأ، أي: هم جند. و: { مَّا } فيها وجهان، أحدهما: أنه مزيدة. والثاني أنها صفة لـ { جُندٌ } على سبيل التعظيم، للهزء بهم، أو للتحقير. فإن { مَّا } إذا كانت صفة تستعمل لهذين المعنيين. و { هُنَالِكَ } يجوز فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون خبراً لـ { جُندٌ } و { مَّا } مزيدة و { مَهْزُومٌ } نعت لـ { جُند }. الثاني: أن يكون صفة لـ { جُندٌ } الثالث: أن يكون منصوبا بـ: { مَهْزُومٌ }. و { مَهْزُومٌ } يجوز فيه أيضاً وجهان: أحدهما: أنه خبر ثان لذلك المبتدأ المقدر، والثاني أنه صفة لـ { جُندٌ }. و { هُنَالِكَ } مشارٌ به إلى موضع التقاول والمحاورة بالكلمات السابقة، وهو مكة؛ أي: سيهزمون بمكة، وهو إخبار بالغيب. وقيل: مشارٌ به إلى نصرة الإسلام. وقيل: إلى حفر الخندق، يعني إلى مكان ذلك. الثاني من الوجهين الأولين أن يكون { جُندٌ } مبتدأ، و و { مَّا } مزيدة و { هُنَالِكَ } نعت و { مَهْزُومٌ } خبره. وفيه بعد، لتفلّته عن الكلام الذي قبله. انتهى.

فائدة

روى ابن عباس في هذه الآية " أنه لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل، فقالوا إن ابن أخيك يشتم آلهتنا, ويفعل ويفعل, ويقول ويقول، فلو بعثت إليه فنهيته! فبعث إليه. فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل. قال فخشي أبو جهل لعنه الله إن جلس إلى جنب أبي طالب، أن يكون أرق له عليه. فوثب فجلس في ذلك المجلس. ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا قرب عمه، فجلس عند الباب، فقال له أبو طالب: أي: ابن أخي! ما بال قومك يشكونك، يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول, قال: وأكثروا عليه من القول. وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا عم، إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها, تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية ". ففزعوا لكلمته ولقوله. فقال القوم: كلمة واحدة؟ نعم، وأبيك عشراً. فقالوا: وما هي؟ وقال أبو طالب: وأي كلمة هي يا ابن أخي؟ قال صلى الله عليه وسلم: " لا إله إلا الله ". فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون: { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } ونزلت الآية ". رواه ابن جرير، والإمام أحمد، والنسائيّ والترمذيّ وحسّنه.