الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ }

{ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ } أي: مصيرهم { لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } أي: إلى دركاتها، أو إلى نفسها لا مفر لهم ولا محيص كيفما تحولوا. قال ابن كثير: أي: ثم إن مردّهم بعد هذا الفصل لإلى نار تتأجج وسعير تتوهج، فتارة في هذا وتارة في هذا كما قال تعالى:يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } [الرحمن: 44] هكذا تلا قتادة هذه الآية عند هذه الآية. وهو تفسير حسن قويّ. انتهى.

ومن لطائف الإشارات في هذه الآية، ما قاله القاشاني؛ وعبارته:إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } [الصافات: 64] وهي شجرة النفس الخبيثة المحجوبة النابتة في قعر جهنم المتشعبة أغصانها في دركاتها القبيحة الهائلة ثمراتها من الرذائل والخبائث كأنها من غاية القبح والتشوّه والخبث بالتنفررُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } [الصافات: 65] أي: تنشأ منها الدواعي المهلكة والنوازع المردية الباعثة على الأفعال القبيحة والأعمال السيئة، فتلك أصول الشيطنة ومبادئ الشر والمفسدة، فكانت رؤوس الشياطينفَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا } [الصافات: 66] يستمدون منها ويغتذون ويتقوّون، فإن الأشرار غذاؤهم من الشرور ولا يلتذون إلا بهافَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } [الصافات: 66] بالهيئات الفاسقة والصفات المظلمة، كالممتلئ غضباً وحقداً وحسداً وقت هيجانهاثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } [الصافات: 67] الأهواء الطبيعية والمُنَى السيئة الرديئة، ومحبات الأمور السفلية، وقصور الشرور الموبقة، التي تكسر بعض غلة الأشرار { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ } لغلبة الحرص والشره، بالشهوة والحقد والبغض والطمع وأمثالها، واستيلاء دواعيها مع امتناع حصول مباغيها. انتهى.

وهذه الإشارات من المجازات التي تتسع لها اللغة؛ لأنها لا تنحصر في الحقيقة، ولا يقال إنها المرادة هنا، لنبوّها عن نظائرها من آيات الوعيد، والله أعلم. وقوله تعالى:

{ إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ... }.