الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ }

{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } قال الزمخشري: هذا الكلام خطاب للملائكة وتقريع للكفار، وارد على المثل السائر (إياك أعني واسمعي يا جارة) ونحوه قوله تعالى:أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [المائدة: 116]، وقد علم سبحانه كون الملائكة وعيسى منزّهين برآء مما وجه عليهم من السؤال الوارد على طريق التقرير. والغرض أن يقول ويقولوا، ويسأل ويجيبوا، فيكون تقريعهم أشد، وتعييرهم أبلغ، وخجلهم أعظم، وهوانهم ألزم, ويكون اقتصاص ذلك لطفاً لمن سمعه، وزجراً لمن اقتص عليه. انتهى.

وتخصيص الملائكة؛ لأنهم أشرف الأنداد عند مشركي العرب؛ ولأن عبادتهم مبدأ الشرك وأصله، لزعمهم أن الأوثان على صور الهياكل العلوية المقربة، فتكون شفعاء لهم.

وقوله تعالى: { أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } أي: أبإذنكم كان ذلك. كما قال تعالى:أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } [الفرقان: 17] وكما يقول تعالى لعيسى عليه السلام:أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ } [المائدة: 116] وهكذا تقول الملائكة: { سُبْحَانَكَ } أي: تعاليت وتقدست عن أن يكون معك إله { أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ } أي: أنت الذي نواليه من دونهم، إذ لا موالاة بيننا وبينهم، فنبرء إليك منهم. بينوا بإثبات موالاة الله ومعاداة الكفار، براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم. وقولهم: { بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ } أي: الشياطين؛ لأنهم هم الذين زينوا لهم عبادة الأوثان وأضلوهم. والضمير الأول في قولهم: { أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } للإنس أو للمشركين، والأكثر بمعنى الكل، والثاني للجن.