الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي: وما أرسلناك إلا إرسالة عامة لجميع الخلائق من المكلفين، تبشر من أطاعك بالجنة، وتنذر من عصاك بالنار، كقوله تبارك وتعالى:قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } [الأعراف: 158]تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [الفرقان: 1] { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي: فيحملهم جهلهم على ما هم فيه من الغيّ والضلال كقوله عز وجل:وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [يوسف: 103]وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [الأنعام: 116] قال ابن عباس - فيما رواه ابن أبي حاتم - إن الله تعالى فضل محمداً صلى الله عليه وسلم على أهل السماء وعلى الأنبياء. قالوا: يا ابن عباس، فَبِمَ فضّله الله على الأنبياء؟ قال رضي الله عنه: إن الله تعالى قال:وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } [إبراهيم: 4]، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ } [سبأ: 28] فأرسله الله تعالى إلى الجن والإنس.

قال ابن كثير: وهذا الذي قاله ابن عباس رضي الله عنهما قد ثبت في الصحيحين. رفعه عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: " أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ، وأحلَّت لي الغنائم ولم تحل لأحد من قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبيّ يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس عامة " ، وفي الصحيح أيضاً؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بعثت إلى الأحمر والأسود " ، قال مجاهد: يعني الجن والإنس. وقال غيره: يعني العرب والعجم. ا هـ. والتحقيق في معنى عموم إرساله وشمول بعثته، هو مجيؤه بشرع ينطبق على مصالح الناس وحاجاتهم أينما كانوا، وأيّ زمان وجدوا، مما لم يتفق في شرع قبله قط، ولهذا ختمت النبوّات بنبوّته صلى الله عليه وسلم، كما تقرر في موضعه.