الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ } * { رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً }

{ وَقَالُواْ رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا } وهم رؤساء الكفر الذين لقنوهم الكفر وزينوه لهم حتى قلدوهم فيه { فَأَضَلُّونَا ٱلسَّبِيلاْ } أي: بما زينوه لنا. قال الزمخشري: وزيادة الألف لإطلاق الصوت جعلت فواصل الآي كقوافي الشعر، وفائدتها الوقف والدلالة على أن الكلام قد انقطع، وأن ما بعده مستأنف { رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } أي: مثلي العذاب الذي آتيتناه، لأنهم ضلوا وأضلوا { وَٱلْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً } أي: لعنا هو أشد اللعن وأعظمه. وقرئ: (كثيرا) تكثيرا لأعداد اللعائن.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً } لما بين تعالى وعيد من يؤذي نبيه صلّى الله عليه وسلم، من استحقاقه اللعنة في الدارين، تعريضا بمن صدر منهم شيء من الأذى في قصة زيد وزينب، التي سيقت السورة لأجلها، ختمها أيضا بالوصية بالتباعد عن التشبه بقوم صدر منهم إيذاء لموسى عليه السلام، بتنقيصه تارة، وقلة الأدب معه طورا، ونسبته إلى ما ينافي الرسالة آونة. كما يمر كثير من ذلك بقارئي توراتهم. مما ينبيء عن عدم إيفائهم رسالته ونبوته حقها، من التعظيم له والصلاة عليه والتسليم لأمره وقضيته. فكانت النتيجة أن غضب الله عليهم ورماهم بأفانين العقوبات، ولحقتهم المخازي، وبرأ رسوله موسى عليه السلام من إفكهم، ونزه مقامه عن تنقيصهم، بأن حقق فضله، وأسمى منزلته، وآتاه الوجاهة - وهي العظمة والقرب - عنده. وهكذا حقت كلمة اللعنة والخزي على مؤذي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولحقهم الدمار، وشرح لنبيه صدره، ورفع له ذكره، وأعلى منزلته، وفخم وجاهته، ما تعاقبت الأدوار. ويقرب من هذه الآية، في المعنى والإشارة، قوله تعالى:وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [الصف: 5] وفيهما كلتيهما تسلية للنبيّ صلّى الله عليه وسلم بتأسّيه بأخيه موسى صلوات الله وسلامه عليهما. وكثيراً ما كان يقول صلّى الله عليه وسلم في جواب جفاة الأعراب حين ما يبلغه أو يسمع ما يكره: " رحمة الله على موسى. لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر ".

وقد روى المفسرون ههنا آثاراً. أحسنها ما أخرجه البزار عن أنس مرفوعاً: " كان موسى رجلا حيياً، وأنه أتى الماء ليغتسل. فوضع ثيابه على صخرة. وكان لا يكاد تبدو عورته. فقال بنو إسرائيل إن موسى آدَرُ أو به آفة. يعنون أنه لا يضع ثيابه. فاحتملت الصخرة ثيابه حتى صارت بحذاء بني إسرائيل. فنظروا إلى موسى كأحسن الرجال. أو كما قال. " فذلك قوله: { فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ وَكَانَ عِندَ ٱللَّهِ وَجِيهاً } ورواه البخاريّ في صحيحه عن أبي هريرة أيضا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6