الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }

{ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } أي: بقول أو فعل { بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ } أي: بغير جناية يستحقون بها الأذية { فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } أي: ظاهراً بينّا.

قال الزمخشري: أطلق إيذاء الله ورسوله، وقيد إيذاء المؤمنين والمؤمنات، لأن أذى الله ورسوله لا يكون إلا غير حق أبداً. وأما أذى المؤمنين والمؤمنات، فمنه ومنه.

تنبيه

في (الإكليل): في هذه الآية تحريم أذى المسلم، إلا بوجه شرعيّ، كالمعاقبة على ذنب.

ويدخل في الآية كل ما حرم للإيذاء. كالبيع على بيع غيره، والسوم على سومه، والخطبة على خطبته. وقد نص الشافعيّ على تحريم أكل الإنسان مما يلي غيره، إذا اشتمل على إيذاء.

وأخرج ابن أبي حاتم من حديث عائشة مرفوعاً: " أربى الربا عند الله، استحلال عرض امرئ مسلم " ثم قرأ هذه الآية. وأخرج عن قتادة في هذه الآية: إياكم وأذى المؤمن، فإن الله يحوطه ويغضب له. وقد زعموا أن عمر بن الخطاب قرأها ذات يوم، فأفزعه ذلك. حتى ذهب إلى أُبيّ بن كعب. فدخل عليه فقال: يا أبا المنذر! إني قرأت آية من كتاب الله فوقعت مني كل موقع { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }... الآية. والله! إني لأعاقبهم وأضربهم. فقال له: إنك لست منهم. إنما أنت مؤدب، إنما أنت معلِّم. انتهى.

قال الزمخشري: وعن الفضيل: لا يحل لك أن تؤذي كلبا أو خنزيراً بغير حق، فكيف؟

وكان ابن عون لا يكري الحوانيت إلا من أهل الذمة، لما فيه من الروعة عند كرّ الحول. فرحمه الله ورضي عنه.

ولما بيّن تعالى سوء حال المؤذين، زجراً لهم عن الإيذاء، أمر النبيّ عليه الصلاة السلام بأن يأمر بعض المتأذين منهم، بما يدفع إيذائهم في الجملة من الستر والتميز، عن مواقع الإيذاء، بقوله سبحانه: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل... }.