الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

{ إِن تُبْدُواْ شَيْئاً } أي: مما لا خير فيه، كنكاحهن على ألسنتكم، على ما روي عن بعض الجفاة { أَوْ تُخْفُوهُ } أي: في نفوسكم { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } أي: فيجازيكم بما صدر عنكم من المعاصي البادية والخافية لا محالة., وفي هذا التعميم مع البرهان على المقصود، مزيد تهويل وتشديد ومبالغة في الوعيد.

قال ابن كثير: أجمع العلماء قاطبة على أن من توفى عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلم من أزواجه، أنه يحرم على غيره تزوجها من بعده. لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة، وأمهات المؤمنين. واختلفوا فيمن دخل بها ثم طلقها في حياته. هل يحل لغيره أن يتزوجها؟ على قولين. مأخذهما هل دخلت هذه في عموم قوله: { مِن بَعْدِهِ } أم لا؟ فأما من تزوجها ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فما نعلم في حلها لغيره، والحالة هذه نزاعا والله أعلم. انتهى.

تنبيه

في (الإكليل): هذه آية الحجاب التي أمر بها أمهات المؤمنين. بعد أن كان النساء لا يحتجبن. وفيها جواز سماع كلامهن ومخاطبتهن. وفيها تحريم أذى النبي صلّى الله عليه وسلم بسائر وجوه الأذى. انتهى.

و قال ابن كثير: هذه آية الحجاب. وفيها أحكام، وآداب شرعية. وهي مما وافق تنزيلها قول عمر رضي الله عنه، كما روى البخاريّ عنه أنه قال: " يا رسول الله! يدخل عليك البر والفاجر. فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب! " فأنزل الله آية الحجاب.

وكان يقول لو أطاع فيكن، ما رأتكن عين.

وكان وقت نزولها في صبيحة عرس رسول الله صلّى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، التي تولي الله تزويجها بنفسه تعالى. وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة (في قول قتادة والواقديّ وغيرهما) وزعم أبو عبيدة، معمر بن المثنى، وخليفة بن خياط؛ أن ذلك كان في سنة ثلاث. فالله أعلم.

وروى البخاري عن أنس قال: لما تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون. فإذا هو يتهيأ للقيام فلم يقوموا. فلما رأى ذلك قام. فلما قام، قام من قام وقعد ثلاثة نفر. فجاء النبيّ صلّى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس. ثم إنهم قاموا فانطلقوا. فجئت فأخبرت النبي صلّى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا. فجاء حتى دخل. فذهبت أدخل، فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ } [الأحزاب: 53] الآية. ورواه مسلم أيضاً والنسائيّ.

وعن أنس أيضا قال: " بني على النبيّ صلّى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، بخبز ولحم. فأرسلت على الطعام داعيا. فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعو. فقلت: يا رسول الله! ما أجد أحداً أدعوه. قال: " ارفعوا طعامكم ". وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت. فخرج النبيّ صلّى الله عليه وسلم، فانطلق إلى حجرة عائشة رضي الله عنها فقال: " السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ". قالت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. كيف وجدت أهلك؟ يا رسول الله! بارك الله لك.

فتقرّى حجر نسائه كلهن. يقول لهن كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة. ثم رجع النبيّ صلّى الله عليه وسلم فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدثون. وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلم شديد الحياء. فخرج منطلقا نحو حجرة عائشة. فما أدري آخبرتُهُ أو أُخْبِرَ، أن القوم خرجوا. فرجع، حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخلة، والأخرى خارجة، أرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب ".

السابقالتالي
2 3