الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً }

{ تُرْجِي } بهمز وغير همز؛ أي: تترك وتؤخر { مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ } أي: من هؤلاء النساء اللاتي أحللناهن لك، فلا تتزوج بهن { وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ } أي: تضم من تشاء منهن بالتزويج { وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ } أي: اخترت تزوجها بعد إرجائها { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ } أي: في أن تضمها إليك. ومن رأي بعضهم أن الضمير في (منهن) يعود إلى الواهبات. قال الشعبيّ: كن نساء وهبن أنفسهن للنبي صلّى الله عليه وسلم: فدخل ببعض وأرجأ بعضهن. لم ينكحن بعده. منهن أم شريك. واستؤنس بحديث عائشة عند أحمد؛ أنها كانت تعيّر النساء اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وتقول: ألا تستحيي المرأة أن تعرض نفسها بغير صداق؟ فلما أنزل الله { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ }... الآية قالت: إني أرى ربك يسارع لك في هواك. ورواه البخاري أيضا كما تقدم. وذهب آخرون إلى أن معنى الآية: تطلّق وتخلّي سبيل من شئت من نسائك، وتمسك من شئت منهن فلا تطلق. وعن قتادة؛ أنها في القَسْم، وأن له أن يقسم لمن شاء، ويدعه لمن شاء. مع هذا فلم يكن صلّى الله عليه وسلم يدع القَسم. وقد احتج بالآية من ذهب إلى أن القسم لم يكن واجباً عليه صلّى الله عليه وسلم. والتحقيق أن الآية عامة في ذلك كله. وأن ما روي مما ذكر، فمن باب الاكتفاء من العام على بعض أفراده، أو من رأي ذهب إليه قائله.

وقوله تعالى: { ذَلِكَ } أي: ما ذكر من تفويض الأمر إلى مشيئتك ورفع الحرج عنك فيه { أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ } أي: تطيب أنفسهن، إن علمن أن ذلك من الله تعالى: { وَلاَ يَحْزَنَّ } لمخالفة الإرجاء { وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ } أي: لأنه حكم، كلهن فيه سواء، فإن سويت بينهن وجدن ذلك تفضيلا، وإلا علمن أنه بحكم الله تعالى. فتطمئن به نفوسهن { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ } أي: من الميل إلى البعض منهن دون البعض بالمحبة { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً } أي: بذات الصدور { حَلِيماً } أي: ذا حلم عن عباده فيعفو ويغفر. وروى الإمام أحمد وأهل السنن عن عائشة؛ أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل. ثم يقول: " اللهم! هذا فعلي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " يعني القلب.