الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } أي: مهورهن فإنها أجور الأبضاع. وإيتاؤها، إما إعطاؤها معجلة، أو تسميتها في العقد. وكان التعجيل ديدن السلف وسنتهم، وما لا يعرف بينهم غيره.

قال ابن كثير: كان مهر النبيّ صلّى الله عليه وسلم لنسائه اثنتي عشرة أوقية ونشاً. وهو نصف أوقية. فالجميع خمسمائة درهم. إلا أم حبيبة بنت أبي سفيان فإنه أمهرها عنه النجاشيّ رحمه الله تعالى أربعمائة دينار. وإلا صفية بنت حُييّ فإنه اصطفاها من سبي خيبر ثم أعتقها وجعل عتقها صداقها، وكذلك جويرية بنت الحارث المصطلقية أدى عنها كتابتها إلى ثابت بن قيس وتزوجها، رضي الله عنهن. انتهى.

وتقييد الإحلال له عليه الصلاة والسلام بإعطاء المهور، ليس لتوقف الحل عليه. ضرورةَ أنه يصح العقد بلا تسمية. ويجب مهر المثل أو المتعة على تقديري الدخول وعدمه. بل لإيثار الأفضل والأوْلى له عليه الصلاة السلام. كتقييد إحلال المملوكة بكونها مسبيّة، في قوله تعالى: { وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ } فإن المشتراة لا يتحقق بدء أمرها وما جرى عليها.

قال ابن كثير: أي: وأباح لك التسرّي مما أخذت من المغانم. وقد ملك صفية وجويرية فأعتقهما وتزوجهما. وملك ريحانة بنت شمعون النضرية ومارية القبطية أم ابنه إبراهيم عليه السلام، وكانتا من السراري، رضي الله عنهما { وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ } أي: من مكة، إلى المدينة، والتقييد لبيان الأفضل كما تقدم. ولهم في إفراد العم والخال وجمع العمة والخالة، عدة أوجه. فيها اللطيف والضعيف. وعندي أن الإفراد والجمع تابع لمقتضى السبك والنظم ورقة التعبير ورشاقة التأدية. كما يدريه من يذوق طعم بلاغة القول، ويشرب من عين فصاحته. فالإفراد فيهما هنا أرق وأعذب من الجمع. كما أن في آيةبُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ } [النور: 61] أمتن وأبلغ من الإفراد. ولكل مقام مقال. ولكل مجال حال { وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا } أي: يتزوجها ويرغب في قبول هبة نفسها بدون مهر. وقد سمى من الواهبات ميمونة بنت الحارث، وزينب بنت خزيمة أم المساكين الأنصارية وأم شريك بنت جابر وخولة بنت حكيم رضي الله عنهن. وفي البخاريّ عن عائشة قالت: كنت أغار في اللائي وهبن أنفسهن للنبيّ صلّى الله عليه وسلم وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالى:تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ } [الأحزاب: 51] قلت ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.

وعن ابن عباس، أنه لم يكن عنده صلّى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له. أي: أنه لم يقبل ذلك وإن كان مباحا له.

السابقالتالي
2