الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } * { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ } أي: بما هو أهله من صنوف التحميد والتمجيد { ذِكْراً كَثِيراً } أي: يعمّ الأوقات والأحوال. قال ابن عباس رضي الله عنهما. إن الله تعالى لم يفرض على عباده فريضة، إلا جعل لها حداً معلوما؛ ثم عذر أهلها في حال العذر. غير الذكر، فإن الله تعالى لم يجعل له حداً ينتهي إليه. ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على عقله، وأمرهم به في الأحوال كلها. فقال تعالى:فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ } [النساء: 103] وقال: { ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً } [الأحزاب: 41] أي: بالليل والنهار، في البر والبحر، وفي السفر والحضر، والغنى والفقر، والسقم والصحة، والسر والعلانية، وعلى كل حال { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي: في أول النهار وآخره، ليسري أثر التسبيح فيهما بقية النهار والليل. لأن ذكره وتسبيحه، يفيدان تنوير القلوب وقت خلوّها عن الأشغال.

قال الزمخشري: والتسبيح من جملة الذكر. وإنما اختصه من بين أنواعه اختصاص جبريل وميكائيل من بين الملائكة، ليبيّن فضله على سائر الأذكار، لأن معناه تنزيه ذاته، عمّا لا يجوز من الصفات والأفعال. ومثالُ فضله على غيره من الأذكار، فضل وصف العبد بالنزاهة من أدناس المعاصي، والطهر من أرجاس المآثم، على سائر أوصافه، من كثرة الصلاة والصيام، والتوفر على الطاعات كلها. ويجوز أن يريد بالذكر وإكثاره، تكثير الطاعات والإقبال على العبادات. فإن كل طاعة وكل خير، من جملة الذكر. ثم خص من ذلك التسبيح بكرة وأصيلا. وهي الصلاة في جميع أوقاتها. لفضل الصلاة على غيرها. أو صلاة الفجر والعشاءين. لأن أداءها أشق ومراعاتها أشد.

وقوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي... }.