الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

{ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ } هذا دفعٌ لتعيير من جهل، فقال: تزوج محمد زوج ابنه زيد. فدفعه تعالى بأنه إنما يتصور لو كان صلّى الله عليه وسلم أبا لزيد على الحقيقة، لكنه ليس أبا لأحد من أصحابه، حتى يثبت بينه وبينه، ما يثبت بين الأب وولده من حرمة الصهر والنكاح، وزيدٌ واحد منهم، الذين ليسوا بأولاده حقيقة. فكان حكمه حكمهم. والادعاء والتبني من باب الاختصاص والتقريب لاغير { وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ } أي: ولكن كان رسول الله مبلغا رسالاته { وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ } بفتح التاء وكسرها، قراءتان. أي: فهذا نعته وهذه صفته. فليس هو في حكم الأب الحقيقيّ، وإنما ختمت النبوة به، لأنه شرع له من الشرائع ما ينطبق على مصالح الناس في كل زمان وكل مكان. لأن القرآن الكريم لم يدع أُمّاً من أمهات المصالح إلا جلاها، ولا مكرمة من أصول الفضائل إلا أحياها، فتمت الرسالات برسالته إلى الناس أجمعين، وظهر مصداق ذلك بخيبة كل من أدعى النبوة بعده، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين { وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } أي: فلا يقضي إلا بما سبق به علمه، ونفذت فيه مشيئته، واقتضته حكمته.

تنبيهان في لطائف هذه القصة، وفوائدها الباهرات

الأول: لم تختلف الروايات أنها نزلت في قصة زيد بن حارثة وزوجه زينب بنت جحش. ورواه البخاري عن أنس في التفسير. ورواه عنه في التوحيد قال: جاء زيدا بن حارثة يشكو، فجعل النبيّ صلّى الله عليه وسلم يقول: " اتق الله وأمسك عليك زوجك " وأخرجه أحمد بلفظ أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم منزل زيد بن حارثة. فجاءه زيد يشكوها إليه. فقال له: " أمسك زوجك واتق الله " فنزلت.

وقد أخرج ابن أبي حاتم هذه القصة من طريق السّديّ. فساقها سياقاً حسناً واضحاً ولفظه: بلغنا أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش، وكانت أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أراد أن يزوجها زيد بن حارثة مولاه فكرهت ذلك، ثم إنها رضيت بما صنع رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فزوجها إياه، ثم أعلم الله عز وجل نبيّه صلّى الله عليه وسلم بعدُ، أنها من أزواجه. فكان يستحيي أن يأمره بطلاقها، وكان لا يزال يكون بين زيد وزينب ما يكون من الناس، فأمره رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يمسك عليه زوجه، وأن يتقي الله. وكان يخشى الناس أن يعيبوا عليه ويقولوا تزوج امرأة ابنه. وكان قد تبنى زيداً.

وعنده، ومن طريق علي بن زيد بن جدعان عن عليّ بن الحسين بن عليّ، قال:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9