الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } * { مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً } * { ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً }

{ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } أي: بالإسلام ومتابعة النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وهو زيد بن حارثة { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } أي: بالعتق والحرية والاصطفاء بالولاية والمحبة وتزويجه بنت عمتك زينب بنت جحش.

قال ابن كثير: كان سيداً كبير الشأن جليل القدر، حبيباً إلى النبي صلّى الله عليه وسلم يقال له: (الحِب) ويقال لابنه أسامة: (الحِب ابن الحِب) قالت عائشة رضي الله عنها: ما بعثه رسول الله صلّى الله عليه وسلم في سرية إلا أمّره عليهم. ولو عاش بعده لاستخلفه. رواه الإمام أحمد. { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } أي: لا تطلقها { وَٱتَّقِ ٱللَّهَ } أي: اخشه في أمرها فإن الطلاق يشينها وقد يؤذي قلبها، وارعَ حق الله في نفسك أيضا. فربما لا تجد بعدها خيراً منها. وكانت تتعظم عليه بشرفها، وتؤذيه بلسانها. فرام تطليقها متعللا بتكبرها وأذاها فوعظه صلّى الله عليه وسلم وأرشده إلى الصبر والتقوى { وَتُخْفِي } أي: تضمر { فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ } أي: من الحكم الذي شرعه. أي: تقول ذلك، وأنت تعلم أن الطلاق لا بد منه، وأن لا منتدح عن امتثال أمر الله بنفسك، لتكون أسوة لمن معك ولمن يأتي بعدك. وإنما غلبك في ذلك الحياء، وخشية أن يقولوا تزوج محمد مطلقة متبناه. وهذا معنى قوله تعالى: { وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ } أي: قالتهم وتعييرهم الجاهليّ { وَٱللَّهُ } أي: الذي ألهمك ذلك وأمرك به { أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } أي: فكان عليك أن تمضي في الأمر من أول وهلة تعجيلا بتنفيذ كلمته وتقدير شرعه، ثم زاده بيانا بقوله: { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً } أي: حاجة بالزواج { زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ } أي: ضيق من العار في النكاح زوجات أدعيائهم { إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً } أي بموت أو طلاق أو فسخ نكاح. { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } أي: قضاؤه واقعاً، ومنه تزويجك زينب.

{ مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ } أي: مأثم وضيق { فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ } أي: كتبه له من التزويج وأباحه له وسن شريعة مُثْلى في وقوعه { سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ } أي: الرسل عليهم السلام. وهو أن لا حرج عليهم في الإقدام على ما أباح لهم ووسع عليهم في باب النكاح وغيره. فإنه كان لهم الحرائر والسراري وتناول المباحات والطيبات وبهداهم القدوة { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً } أي: قضاءً مقضياً. أي: لا حرج على أحد فيما أحل له.

ثم وصف شأنهم بقوله: { ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ ٱللَّهِ } أي: أحكامه، وأوامره ونواهيه ويصدعون بها { وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ } أي: لا يخافون قالة الناس، ولائمتهم ولا يبالون بها في تشريعه ولا ريب أن سيّد الناس في هذا المقام، بل وفي كل مقام، حضرة نبينا عليه الصلاة والسلام. كما علم من قيامه بالتبليغ بالقوة، والفعل أبلغ قيام { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً } أي: حافظاً لأعمال خلقه. وكافيا للمخاوف.