الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً }

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ } أي: ما صح لهما { إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } أي: قضى الله ورسوله في أنفسهم قضاء، أن يتخيروا من أمرهم غير الذي قضى فيهم ويخالفوا أمر الله وأمر رسوله وقضاءهما ويعصوهما، لما في ذلك من المأثم، كما قال تعالى: { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي: فيما أمراً أو نهيا { فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً } أي: جار عن قصد السبيل، وسلك غير الهدى والرشاد. وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش، حين خطبها رسول الله صلّى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة. فأبت لكونه مولى لا يماثلها في الشرف. فنزلت الآية فرضيت وتزوجها.

قال المهايميّ: الظاهر أن الخطبة كانت بطريق الوجوب. ويحتمل أن تكون لا بطريق الوجوب، لكن اعتبار العار في مقابلة خطبة رسول الله صلّى الله عليه وسلم معصية، لما فيه من ترجيح قول أهل العرف على قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم مع كونه قول الله بالحقيقة. اهـ.

وقال بعضهم: إنما عدّ التنزيل إباءها عصياناً، وكأنه أرغمها على زواجه، لما أوقع الله من المصلحة ولها وللمسلمين في ذلك وهو هدم تحريم زوجة المتبني، الفاشي في الجاهلية. كما سيأتي سياقه.

وذكر أيضاً أنها نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط. وكانت أول من هاجر من النساء - بعد صلح الحديبية - فوهبت نفسها للنبيّ صلّى الله عليه وسلم، فزوجها زيداً - أي: بعد فراقه زينب - فسخطت، فنزلت الآية، فرضيت. وروى الإمام أحمد عن أنس قال: " خطب النبيّ صلّى الله عليه وسلم على جليبيب رضي الله عنه، امرأة من الأنصار إلى أبيها. فقال: حتى أستأمر أمها. فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: نعم إذاً. قال: فانطلق الرجل إلى امرأته، فذكر ذلك لها، فأبت أشد الإباء. فقالت الجارية: أتريدون أن تردّوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمره؟ إن كان قد رضيه لكم، فأنكحوه. قال: فكأنها جلت عن أبويها وقالا: صدقت. فذهب أبوها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: إن كنت رضيته فقد رضيناه. قال صلّى الله عليه وسلم: " فإني قد رضيته ". قال: فزوجها. ثم ذهب مع النبيّ، في غزاة، فقتل. ورُئِيَ حوله ناس من المشركين قد قتلهم. قال أنس: فلقد رأيتها وإنها لمن أنفق بيت في المدينة ". (وفي رواية: فما كان في الأنصار أيّم أنفق منها).

وذكر الحافظ ابن عبد البر في (الاستيعاب): أن الجارية لما قالت في خدرها: أتردّون على رسول الله صلّى الله عليه وسلم أمره، نزلت هذه الآية { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ } [الأحزاب: 36].

السابقالتالي
2