الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } * { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً }

{ وَمَن يَقْنُتْ } أي: يدم مطيعاً { مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ } أي: في إتيان الواجبات وترك المحرمات والمكروهات { وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ } أي: مرة على الطاعة والتقوى، وأخرى على طلبهن رضا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، بحسن الخلق وطيب المعاشرة والقناعة { وَأَعْتَدْنَا لَهَا } أي زيادة على أجرها المضاعف في الجنة، أو فيها وفي الدنيا { رِزْقاً كَرِيماً } أي: حسناً مرضياً { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ } أي: عند مخاطبة الناس. أي: فلا تُجِبن بقولكن لينا خنثا، مثل كلام المريبات والمومسات { فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } أي: ريبة وفجور { وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } أي: بعيدا من طمع المريب بجدّ وخشونة، من غير تخنيث. أو قولا حسنا مع كونه خشنا.

{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } أي: اسكنّ ولا تخرجن منها. من (وقر يقر وقارا) إذا سكن. أو من (قرّ يقر من باب ضرب) حذفت الأولى من رائي (اقررن) ونقلت كسرتها إلى القاف، فاستغنى عن همزة الوصل. ويؤيده قراءة نافع وعاصم بالفتح. من (قررت أقر) من باب علم. وهي لغة قليلة { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ } أي: تبرج النساء أيام جاهلية الكفر الأولى. إذ لا دين يمنعهم ولا أدب يزعهم. والتبرج، فسِّر بالتبختر والتكسّر في المشي. وبإظهار الزينة وما يستدعى به شهوة الرجل. وبلبس رقيق الثياب التي لا تواري جسدها. وبإبداء محاسن الجيد والقلائد والقرط. وكل ذلك مما يشمله النهي، لما فيه من المفسدة والتعرّض لكبيرة. فائدة

قيل: { ٱلأُولَىٰ } بمعنى القديمة مطلقا من غير تقييد بزمن. فيستدل بذلك لمن قال: إن الأول لا يستلزم ثانيا.

قال في (الإكليل): وهو الأصح عند العلماء. فلو قال: أول ولد تلدينه فأنت طالق، لم يحتج إلى أن تلد ثانياً. انتهى.

وقال الزمخشري: { ٱلأُولَىٰ } هي القديمة التي يقال لها الجاهلية الجهلاء. من الزمن الذي ولد فيه إبراهيم، أو ما قبله، إلى زمن عيسى. والجاهلية ما بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما. ويجوز أن تكون الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام، والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق والفجور في الإسلام. ويعضّده ما روى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لأبي ذرّ، لما عيّر رجلا بأمه وكانت أعجمية: " إنك امرؤ فيك جاهلية " والمعنى نهيهن عن إحداث جاهلية في الإسلام، تشبه جاهلية الكفر قبله { وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي: بموافقة أمرهما ونهيهما. ثم أشار إلى أن مخالفتهما رجس لا يناسب فضل أهل البيت بقوله: { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } أي: ما أمركنّ ونهاكنّ، ووعظكنّ، إلا خيفة مقارفة المآثم والحرص على التصوّن عنها بالتقوى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7