الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } * { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً }

{ وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم } أي: عاونوا الأحزاب وساعدوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم { مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } يعني بني قريظة. وهم طائفة من اليهود، كان نزل آباؤهم الحجاز لما فرّوا من الاضطهاد وتشتتوا كل شتات في أطراف البلاد { مِن صَيَاصِيهِمْ } أي: حصونهم وآطامهم التي كانوا فيها { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } أي: الخوف، جزاء وفاقا.

قال ابن كثير: لأنهم كانوا مالئوا المشركين على حرب النبيّ صلى الله عليه وسلم - وليس من يعلم كمن لا يعلم - وأخافوا المسلمين وراموا قتلهم ليعزوا في الدنيا، فانعكس عليهم الحال وانقلب إليهم القتال، لما انشمر المشركون وراحوا بصفقة المغبون، فكما راموا العز ذلوا، وأرادوا استئصال المسلمين فاستؤصلوا؛ ولهذا قال تعالى: { فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } يعني: قتل الرجال المقاتلة، وسبي الذراريّ والنساء.

روى الإمام أحمد عن عطية القرظيّ قال: " عُرِضت على النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فشكّوا فيّ. فأمر بي النبيّ صلى الله عليه وسلم أن ينظروا: هل أنبتُّ بعد؟ فنظروني فلم يجدوني أنبتّ، فخلّى عني، وألحقني بالسبي ".

وكذا رواه أهل السنن كلهم: وقال الترمذي: حسن صحيح.

{ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ } حصونهم { وَأَمْوَالَهُمْ } أي: نقودهم وأثاثهم ومواشيهم { وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا } أي: أرضا لم تقبضوها بعد، يعني خيبر، وقيل مكة. رواه مالك عن زيد بن أسلم. وقيل: فارس والروم، وقال ابن جرير: يجوز أن يكون الجميع مراداً.

قال الزمخشري: ومن بدع التفاسير أنه أراد نساءهم. وبتمام هذه الغزوة أراح الله المسلمين من شر مجاورة اليهود الذين تعودوا الغدر والخيانة، ولم يبق إلا بقية من كبارهم بخيبر مع أهلها، وهم الذين كانوا السبب في إثارة الأحزاب. قال بعضهم: يالله! ما أسوأ عاقبة الطيش! فقد تكون الأمة مرتاحة البال هادئة الخواطر، حتى تقوم جماعة من رؤسائها بعمل غدر يظنون من ورائه النجاح. فيجلب عليهم الشرور ويشتتهم من ديارهم. وهذا ما حصل لليهود في الحجاز. فقد كان بينهم وبين المسلمين عهود يأمن بها كل منهم الآخر. ولكن اليهود لم يوفوا بتلك العهود حسداً منهم وبغياً. فَتَمَّ عليهم ما تم. سنة الله في المفسدين. فإن الله لا يصلح أعمالهم { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } أي: وقد شاهدتم بعض مقدوراته فاعتبروا بغيرها.

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } أي: السعة والتنعم فيها { وَزِينَتَهَا } أي: زخارفها { فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ } أي: أعطكن المتعة وأطلقكن. والمتعة ما يعطى للمرأة المطلّقة على حسب السعة والإقتار. من ثياب أو دراهم أو أثاث، تطوعا لا وجوباً. وقوله تعالى: { سَرَاحاً جَمِيلاً } أي: طلاقا من غير ضرار ولا بدعة. وقد روي أنهن سألن النبيّ صلى الله عليه وسلم ثياب الزينة وزيادة النفقة مما ليس عنده.

السابقالتالي
2