الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } * { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ }

{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ } قرئ بفتح الضاد وضمها. أي: من أصل ضعيف هو النطفة { ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ } يعني: حال الطفولة والنشء { قُوَّةً } يعني: حال البلوغ والشبيبة إلى الاكتهال وبلوغ الأشُدّ { ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً } أي: بالشيخوخة والهرم { يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } أي: من الأشياء. ومنها هذه الأطوار التي يتقلب بها الإنسان { وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } أي: الواسع العلم والقدرة. كيف؟ وهذا الترديد في الأحوال المختلفة والتغيير من صفة إلى صفة، أظهر دليل على علم الصانع سبحانه وقدرته، المستتبع انفراده بالألوهية.

{ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ } أي: في الدنيا أو القبور. وإنما يقدرون وقت لبثهم بذلك على وجه استقصارهم له. أو ينسون أو يكذبون أو يخمنون { كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } أي: مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون عن الصدق والتحقيق في الدنيا. وهكذا كانوا يبتون أمرهم على خلاف الحق. كذا في الكشاف.

وقال ابن كثير: يخبر تعالى عن جهل الكفار في الدنيا والآخرة. ففي الدنيا فعلوا ما فعلوا من عبادة الأوثان. وفي الآخرة يكون منهم جهل عظيم أيضاً. فمنه إقسامهم بالله أنهم ما لبثوا غير ساعة واحدة في الدنيا. ومقصودهم بذلك عدم قيام الحجة عليهم، وأنهم لم ينظروا حتى يعذر إليهم. انتهى.

وقال الشهاب: المراد من قوله: { كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } [الروم: 55] تشابه حاليهم في الكذب وعدم الرجوع إلى مقتضى العلم لأن مدار أمرهم على الجهل والباطل. والغرض من سوق الآية وصف المجرمين بالتمادي في الباطل، والكذب الذي أَلِفُوه. انتهى.

قيل: كان قسمهم استقلالاً لأجل الدنيا، لما عاينوا الآخرة، تأسفاً على ما أضاعوا في الدنيا.