الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ } * { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ٱلْقِيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ }

{ ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } أي: كثرة المضار والمعاصي على وجه الأرض وعلى ظهر السفن في لجج البحر { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي ٱلنَّاسِ } أي: من الآثام والموبقات، ففشا الفساد وانتشرت عدواه وتوارثه جيل عن جيل أينما حلوا وحيثما ساروا { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } اللام للعاقبة. أي: ظهور الشرور بسببهم، مما استوجبوا به أن يذيقهم الله وبال أعمالهم، إرادة الرجوع. وقيل اللام للعلة، على معنى أن ظهور الجدب والقحط والغرق بسبب شؤم معاصيهم، ليذيقهم وبال بعض أعمالهم في الدنيا، قبل أن يعاقبهم بجميعها في الآخرة، لعلهم يرجعون عما هم عليه. كقوله تعالى:وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [الشورى: 30] { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّشْرِكِينَ } أي: فأذاقهم سبحانه لسوء العاقبة، لشركهم المستتبع لكل إثم وعصيان.

{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ٱلْقِيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ } أي: لا يقدر أحد على ردّه. وقوله: { مِنَ ٱللَّهِ } متعلق بـ { يَأْتِيَ } أو بـ { مَرَدَّ } لأنه مصدر على معنى لا يرده تعالى، لتعلق إرادته بمجيئه. وفيه انتفاء رد غيره بطريق برهانيّ. وقيل عليه، لو كان كذلك لزم تنوينه لمشابهته للمضاف. وأجيب بأن الشبيه بالمضاف قد يحمل في ترك تنوينه. كما في الحديث: " لا مانع لما أعطيت " { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } أي: يتفرقون كالفراش المبثوث، أو فريق في الجنة وفريق في السعير كقوله:وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } [الروم: 14].