الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ }

{ فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ } أي: من البر والصلة. واستدل به أبو حنيفة رحمه الله على وجوب النفقة للمحارم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب. لأن (آتِ) أمر للوجوب. والظاهر من (الحق) بقرينة ما قبله أنه ماليّ، وهو استدلال متين { وَٱلْمِسْكِينَ } وهو الذي لا شيء له ينفق عليه. أو له شيء لا يقوم بكفايته { وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } أي: السائل فيه، والذي انقطع به. وحقهما هو نصيبهما من الصدقة والمواساة { ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ } أي: النظر إليه يوم القيامة. وهو الغاية المقصوى. أو يريدون ذاته بمعروفهم لا رياء ولا سمعة، ولا مكافأة يد. كما قال تعالى:ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ * وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ * إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ ٱلأَعْلَىٰ } [الليل: 18-20] { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } أي: في الدنيا والآخرة.

{ وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً } أي: مال ترابون فيه { لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ } أي: ليزيد في أموالهم، إذ تأخذون فيه أكثر منه { فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّهِ } أي: لا يزكو ولا ينمو ولا يبارك فيه. بل يمحقه محق ما لا عاقبة له عنده إلا الوبال والنكال. وذكر في تفسيرها معنى آخر، وهو أن يهب الرجل للرجل، أو يهدى له ليعوّضه أكثر مما وهب أو أهدى. فليست تلك الزيادة بحرام، وتسميتها ربا مجاز، لأنها سبب الزيادة.

قال ابن كثير: وهذا الصنيع مباح وإن كان لا ثواب فيه. إلا أنه نهى عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلم خاصة، قاله الضحاك، واستدل بقوله تعالى:وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } [المدثر: 6] أي: لا تعط العطاء، تريد أكثر منه. وقال ابن عباس: الربا رباءان، فرباً لا يصح، يعني ربا البيع، ورباً لا بأس به، وهو هدية الرجل، يريد فضلها وإضعافها. انتهى.

وأقول: في ذلك كله نظر من وجوه:

الأول: أن هذه الآية شبيهة بآيةيَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ } [البقرة: 276] وهي في ربا البيع الذي كان فاشياً في أهل مكة حتى صار ملكة راسخة فيهم، امتصوا بها ثروة كثير من البؤساء، مما خرج عن طور الرحمة والشفقة والكمال البشريّ. فنعى عليهم حالهم، طلباً لتزكيتهم بتوبتهم منه. ثم أكد ذلك في مثل هذه الآية. مبالغة في الزجر.

الثاني: أن الربا، على ما ذكر، مجاز. والأصل في الإطلاق الحقيقة، إلا لصارف يرشد إليه دليل الشرع، أو العقل. ولا واحد منهما هنا، إذ لا موجب له.

الثالث: دعوى أن الهبة المذكورة مباحة، لا بأس بها بعد كونها هي المرادة من الآية - بعيدة غاية البعد. لأن في أسلوبها من الترهيب والتحذير ما يجعلها في مصافّ المحرمات. ودلالة الأسلوب من أدلة التنزيل القوية، كما تقرر في موضعه.

السابقالتالي
2