الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } هذه الآية نظير قوله تعالى في سورة المائدة:إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [المائدة: 36]. وقد روى الإمام أحمد والشيخان عن أنس بن مالك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به؟ قال: فيقول نعم، فيقول الله: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا أن تشرك! " وفي رواية للإمام أحمد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول له: يا ابن آدم! كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي: رب! خير منزل، فيقول: سل وتمنَّ، فيقول: ما أسأل ولا أتمنى إلا أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرات - لما يرى من فضل الشهادة - ويؤتى بالرجل من أهل النار فيقول له: يا ابن آدم! كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي: رب! شر منزل، فيقول له: أتفتدي منه بطلاع الأرض ذهباً؟ فيقول: أي: رب! نعم. فيقول: كذبت! قد سألتك أقل من ذلك وأيسر فلم تفعل. فيردّ إلى النار " ولهذا قال: { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } أي: من منقذ من عذاب الله ولا مجير من أليم عقابه.

لطيفة

في قوله تعالى: { وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } قال صاحب الانتصاف: إن هذه الواو المصاحبة للشرط تستدعي شرطاً آخر، يعطف عليه الشروط المقترنة به ضرورة. والعادة في مثل ذلك أن يكون المنطوق به منبهاً على المسكوت عنه بطريق الأولى. مثاله: قولك: أكرم زيداً ولو أساء، فهذه الواو عطفت المذكور على محذوف تقديره: أكرم زيداً لو أحسن ولو أساء، إلا أنك نبهت بإيجاب إكرامه وإن أساء على أن إكرامه إن أحسن بطريق الأولى. ومنه:كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ } [النساء: 135]. معناه -والله أعلم - لو كان الحق على غيركم ولو كان عليكم، ولكنه ذكر ما هو أعسر عليهم فأوجبه تنبيهاً على ما هو أسهل وأولى بالوجوب، فإذا تبين مقتضى الواو في مثل هذه المواضع وجدت آية آل عمران هذه مخالفة لهذا النمط ظاهراً. لأن قوله: { وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ }. يقتضي شرطاً آخر محذوفاً يكون هذا المذكور منبهاً عليه بطريق الأولى. وهذه الحال المذكورة، وهي حالة افتدائهم بملء الأرض ذهباً، هي حالة أجدر الحالات بقبول الفدية، وليس وراءها حالة أخرى تكون أولى بالقبول منها، فلذلك قدر الزمخشريّ الكلام بمعنى: لن يقبل من أحد منهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهباً.

السابقالتالي
2