الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ } واضحات الدلالة { هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } أي: أصله المعتمد عليه في الأحكام { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } وهي ما استأثر الله بعلمها لعدم اتضاح حقيقتها التي أخبر عنها، أو ما احتملت أوجهاً. وجعله كله محكماً في قوله:أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } [هود: 1] بمعنى: أنه ليس فيه عيب، وأنه كلام حق فصيح الألفاظ، صحيح المعاني. ومتشابهاً في قوله:كِتَاباً مُّتَشَابِهاً } [الزمر: 23] بمعنى أنه يشبه بعضه بعضاً في الحسن، ويصدق بعضه بعضاً

{ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } أي: ميل عن استقامة إلى كفر وأهواء وابتداع { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ } أي: طلب الإيقاع في الشبهات واللبس { وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ } وحده { وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } أي: الثابتون المتمكنون مبتدأ، خبره { يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ } أي: بالمتشابه على ما أراد الله تعالى { كُلٌّ } من المحكم والمتشابه { مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } أي: العقول الخالصة من الركون إلى الأهواء الزائغة، وهو تذييل سيق منه تعالى مدحاً للراسخين بجودة الذهن وحسن النظر.

تنبيه

للعلماء في المحكم والمتشابه أقوال كثيرة، ومباحث واسعة. وأبدعُ ما رأيته في تحرير هذا المقام مقالة سابغة الذيل لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية عليه الرحمة والرضوان. يقول في خلالها:

المحكم في قرآن، تارة يقابل بالمتشابه والجميع من آيات الله، وتارة يقابل بما نسخه الله، مما ألقاه الشيطان. ومن الناس من يجعله مقابلاً لما نسخه الله مطلقاً، حتى يقول هذه الآية محكمة ليست منسوخة، ويجعل المنسوخ ليس محكماً، وإن كان الله أنزله أوَّلاً إتباعاً للظاهر من قوله:فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ } [الحج: 52]. فهذه ثلاثة معان تقابل المحكم، ينبغي التفطن لها. وجماع ذلك أن الإحكام تارة يكون في التنزيل. فيكون في مقابلته ما يلقيه الشيطان. فالمحكم المنزل من عند الله أحكمه الله أي: فصله من الاشتباه بغيره، وفصل منه ما ليس منه، فإن الإحكام هو الفصل والتمييز والفرق والتحديد الذي به يتحقق الشيء ويحصل إتقانه، ولهذا دخل فيه معنى المنع، كما دخل في الحد بالمنع جزء معناه، لا جميع معناه، وتارة يكون في إبقاء التنزيل عند من قابله بالنسخ الذي هو رفع ما شرع، وهو اصطلاحيّ. أو يقال - وهو أشبه: السلف كانوا يسمون كل رفع نسخاً، سواء كان رفع حكم، أو رفع دلالة ظاهرة، فكل ظاهر ترك ظاهره لمعارض راجح، كتخصيص العام، وتقييد المطلق، فهو منسوخ في اصطلاح السلف. وإلقاء الشيطان في أمنيته قد يكون في نفس لفظ المبلِّغ، وقد يكون في مسمع المبلِّغ، وقد يكون في فهمه، كما قال:أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد