{ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ } أي: إلى قول معتدل لا يميل إلى التعطيل ولا إلى الشرك، متفق عليها لا يختلف فيها الرسل والكتب وهي { أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً } أي: لا نرى غيره مستحقاً للعبادة فنشركه معه، بل نفرد العبادة لله وحده، لا شريك له. وهذه دعوة جميع الرسل. قال الله تعالى:{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ } [الأنبياء: 25]. وقال تعالى:{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ } [النحل: 36]. { وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً } أي: كعزير والمسيح والأحبار والرهبان الذين كانوا يحلّون لهم ويحرّمون، كما روى الترمذي عن عدي بن حاتم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ:{ ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } [التوبة: 31]. قال: " إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه ". قال الكيا الهراسيّ: فيه رد على من قال بالاستحسان المجرد الذي لا يستند إلى دليل شرعيّ، وعلى من قال: يجب قبول قول الإمام في التحليل والتحريم ولو دون إبانة مستند شرعيّ. قال البقاعي: ولما كان الرب قد يطلق على المعلم والمربّي بنوع تربيةٍ، نبه على أن المحذور إنما هو اعتقاد الاستبداد والاجتراء على ما يختص به الله فقال: { مِّن دُونِ ٱللَّهِ } الذي اختص بالكمال { فَإِن تَوَلَّوْاْ } أي: عن هذه الكلمة السواء المتفق عليها { فَقُولُواْ } أي: تبعاً لأبيكم إبراهيم عليه السلام إذ قال:{ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [البقرة: 131]. وامتثالاً لوصيته إذ قال:{ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } [البقرة: 132]. { ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } أي: لزمتكم الحجة فوجب عليكم أن تعترفوا بأنا مسلمون دونكم، كما يقول الغالب للمغلوب في جدال أو صراع أو غيرهما: اعترف بأني أنا الغالب، وسلم لي الغلبة. ويجوز أن يكون من باب التعريض، ومعناه: اشهدوا واعترفوا بأنكم كافرون حيث توليتم عن الحق بعد ظهوره - كذا في الكشاف.