الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }

{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ } أي: شأنه العجيب في إنشائه بالقدرة من غير أب { عِندَ ٱللَّهِ } أي: في تقديره وحكمه { كَمَثَلِ ءَادَمَ } أي: كحاله العجيبة التي لا يرتاب فيها مرتاب { خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } جملة مفسرة للتمثيل ببيان وجه الشبه بينهما. وحسم لمادة شبه الخصوم، فإن إنكار خلق عيسى عليه السلام بلا أب ممن اعترف بخلق آدم عليه السلام بغير أب وأم، مما لا يكاد يصح - قاله أبو السعود - وقوله { خَلَقَهُ } أي: صور جسد آدم { مِن تُرَابٍ } ثم قال له { كُن } أي: بشراً كاملاً روحاً وجسداً فإن أمره تعالى يفيد قوة التكون. قال البقاعي: وعبر بصيغة المضارع المقترن بالفاء في { فَيَكُونُ } دون الماضي، وإن كان المتبادر إلى الذهن أن المعنى عليه حكايةً للحال وتصويراً لها إشارةٌ إلى أنه كان الأمر من غير تخلف، وتنبيهاً إلى أن هذا هو الشأن دائماً بتجدد مع كل مراد، لا يتخلف عن مراد الآمر أصلاً كما تقدم التصريح به في آية:إِذَا قَضَىٰ أَمْراً } [مريم: 35].

لطيفة

قال الرازيّ: الحكماء قالوا: إنما خلق آدم عليه السلام من تراب لوجوه:

الأول: ليكون متواضعاً، الثاني: ليكون ستاراً. الثالث: ليكون أشد التصاقاً بالأرض. وذلك لأنه إنما خلق لخلافة أهل الأرض. قال تعالى:إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة: 30]. الرابع: أراد الحق إظهار القدرة فخلق الشياطين من النار التي هي أضوأ الإجرام وابتلاهم بظلمات الضلالة، وخلق آدم من التراب الذي هو أكثف الأجرام ثم أعطاه المحبة والمعرفة والنور والهداية. الخامس: خلق الإنسان من تراب ليكون مطفئاً لنار الشهوة والغضب انتهى ملخصاً.