الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ }

{ لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ } جمع وليّ، ومعانيه كثيرة. منه المحب والصديق والنصير. قال الزمخشري: نهوا أن يوالوا الكافرين لقرابة بينهم أو صداقة قبل الإسلام أو غير ذلك من الأسباب التي يُتَصادق بها ويُتَعاشر. وقد كرر ذلك في القرآن:وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } [المائدة: 51].لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ } [المائدة: 51].لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ... } [المجادلة: 22] الآية - والمحبة في الله، والبغض في الله باب عظيم وأصل من أصول الإيمان.

وقوله تعالى: { مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } حال. أي: متجاوزين المؤمنين إليهم استقلالاً أو اشتراكاً، وفيه إشارة إلى أنهم الأحقاء بالموالاة وأن في موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ } أي: ومن يوال الكفرة فليس من ولاية الله في شيء يقع عليه اسم الولاية، يعني: أنه منسلخ من ولاية الله رأساً. وهذا أمر معقول، فإن موالاة الوليّ وموالاة عدوه متنافيان، قال:
تودَ عدوّي ثم تزعم أنني   صديقك ليس النوك عنك بعازب
- أفاده الزمخشري.

{ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } أي: تخافوا منهم محذوراً، فأظهِروا معهم الموالاة باللسان دون القلب لدفعه، كما قال البخاريّ عن أبي الدرداء أنه قال: إنَا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم. وأصل { تُقَـٰةً } وُقَيَه، ثم أبدلت الواو تاء، كتخمة وتهمة وقلبت الياء ألفاً. وفي المحكم: تقاة يجوز أن يكون مصدراً وأن يكون جمعاً، والمصدر أجود، لأن في القراءة الأخرى: تقية.

تنبيه

قال بعض مفسري الزيدية: ثمرة الآية الكريمة تحريم موالاة الكفار، لأن الله تعالى نهى عنها بقوله: { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ } [آل عمران: 28] ثم استثنى تعالى (التقية) فرخص في موالاتهم لأجلها. فتجوز معاشرة ظاهرة، والقلب مطمئن بالعداوة لهم والبغضاء وانتظار زوال المانع. وقد قال الحاكم: في الآية دلالة على جواز إظهار تعظيم الظلمة، اتقاء لشرهم. قال: وإنما يحسن بالمعاريض التي ليست بكذب. وقال الصادق: التقية واجبة، وإني لأسمع الرجل في المسجد يشتمني فأستتر عنه بالسارية لئلا يراني. وعن الحسن: تقية باللسان، والقلب مطمئن بالإيمان.

واعلم أن الموالاة التي هي المباطنة والمشاورة وإفضاء الأسرار للكفار، لا تجوز. فإن قيل: قد جوز كثير من العلماء نكاح الكافرة، وفي ذلك من الخلطة والمباطنة بالمرأة ما ليس بخاف، فجواب ذلك: أن المراد موالاتهم في أمر الدين، وفيما فيه تعظيم لهم. فإن قيل: في سبب نزول الآية أنه صلى الله عليه وسلم منع عبادة بن الصامت عن الاستعانة باليهود على قريش، وقد حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود على حرب قريش، وفي هذا دلالة على جواز الاستعانة بهم. وقد ذكر الراضي بالله أنه يجوز الاستعانة بالفسّاق على حرب المبطلين.

السابقالتالي
2 3