الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي: يسرون بما أنعم الله عليهم، وما تفضل عليهم من زيادة الكرامة، وتوفير أجرهم عليهم.

قال أبو السعود: كرّر لبيان أن الاستبشار المذكور ليس بمجرد عدم الخوف والحزن، بل به وبما يقارنه من نعمة عظيمة، لا يقادر قدرها، وهي ثواب أعمالهم. ثم قال: والمراد بالمؤمنين: إما الشهداء، والتعبير عنهم بالمؤمنين للإيذان بسمو رتبة الإيمان، وكونه مناطاً لما نالوه من السعادة. وإما كافة أهل الإيمان من الشهداء وغيرهم، ذكرت توفية أجورهم على إيمانهم، وعدّت من جملة ما يستبشر به الشهداء بحكم الأخوة في الدين - انتهى.

وقال ابن القيّم: إن الله تعالى عزّى نبيه وأولياءه عمن قتل منهم في سبيله أحسن تعزية وألطفها وأدعاها إلى الرضا بما قضاه لهم بقوله: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ... } الآيات - فجمع لهم إلى الحياة الدائمة، منزلة القرب منه، وأنهم عنده، وجريان الرزق المستمر عليهم، وفرحهم بما آتاهم من فضله، وهو فوق الرضا، بل هو كمال الرضا، واستبشارهم بإخوانهم الذين باجتماعهم بهم يتم سرورهم ونعيمهم، واستبشارهم بما يجدد لهم كل وقت من نعمته وكرامته، وذكرهم سبحانه في أثناء هذه المحنة بما هو أعظم مننه ونعمة عليهم، التي قابلوا بها كل محنة تنالهم وبيلة تلاشت في جنب هذه المنة والنعمة، ولم يبق لها أثر البتة، وهي منتَّه عليهم بإرسال رسول من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وينقذهم من الضلال، الذي كانوا فيه قبل إرساله، إلى الهدى، ومن الشقاء إلى الفلاح، ومن الظلمة إلى النور، ومن الجهل إلى العلم. فكل بلية ومحنة تنال العبد بعد حصول هذا الخبر العظيم له، أمر يسير جداً في جنب الخير الكثير. كما ينال الناس بأذى المطر، في جنب ما يحصل لهم به من الخير. وأعلمهم أن سبب المصيبة من عند أنفسهم، ليحذروا، وأنها بقضائه وقدره ليوحدوه ويتكلوا عليه، ولا يخافوا غيره، وأخبرهم بما له فيها من الحكم، لئلا يتهموا في قضائه وقدره، وليتعرف إليهم بأنواع صفاته وأسمائه. وسلاّهم بما أعطاهم مما هو أجلّ قدراً وأعظم خطراً مما فاتهم من النصر والغنيمة، وعزّاهم عن قتلاهم بما نالوه من ثوابه وكرامته، لينافسوا فيه، ولا يحزنوا عليهم، فله الحمد كما هو أهله، وكما ينبغي لكرم وجهه، وعز جلاله.

ثم قال ابن القيّم: ولما انقضت الحرب، انكفأ المشركون، فظن المسلمون أنهم قصدوا المدينة لإحراز الذراريّ والأموال، فشق ذلك عليهم، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لعليّ بن أبي طالب: " اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون، وماذا يريدون، فإن هم جنبوا الخيل، وامتطوا الإبل، فإنهم يريدون مكة، وإن كانوا ركبوا الخيل، وساقوا الإبل، فإنهم يريدون المدينة، فوالذي نفسي بيده! لئن أرادوها لأسيرن إليهم، ثم لأناجزهم فيها "

السابقالتالي
2