الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } وهم المنافقون القائلون:لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا } [آل عمران: 154]. { وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ } أي: سافروا فيها للتجارة فأصيبوا بغرق أو قتل { أَوْ كَانُواْ } أي: إخوانهم { غُزًّى } جمع غاز فأصيبوا باصطدام أو قتل { لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا } أي: مقيمين { مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ } قال أبو السعود: ليس المقصود بالنهي عدم مماثلتهم في النطق بهذا القول، بل في الاعتقاد بمضمونه والحكم بموجبه.

أقول: بل الآية تفيد الأمرين: أعني: حفظ الاعتقاد المقصود أولاً وبالذات، وحفظ المنطق مما يوقع في إضلال الناس، ويخل بالمقام الإلهي، كما بينته السنة، وسنذكره في التنبيه الآتي.

وقوله: { لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ } أي: القول: { حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ } متعلق بقالوا على أن اللام لام العاقبة، مثلها فيلِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [القصص: 8] أي: قالوا ذلك واعتقدوه ليكون حسرة في قلوبهم. والمراد بالتعليل المذكور بيان عدم ترتب فائدةٍ ما, على ذلك أصلاً. { وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ } رد لقولهم الباطل، إثر بيان غائلته. أي: هو المؤثر في الحياة والممات وحده، من غير أن يكون للإقامة أو للسفر مدخل في ذلك، فإنه تعالى قد يحيي المسافر والغازي مع اقتحامها لموارد الحتوف، ويميت المقيم مع حيازته لأسباب السلامة. وعن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه قال عند موته: ما فيّ موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة، وها أنا ذا أموت كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء! { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } تهديد للمؤمنين في مماثلة من ذكر.

قال بعض المفسرين: ثمرة الآية أنه لا يجوز التشبه بالكفار. قال الحاكم: وقد يكون منه ما يكون كفراً. وفيها أيضاً دلالة على أنه لا يسقط وجوب الجهاد بخشية القتل.

تنبيه

أشعرت الآية بوجوب حفظ المنطق مما يشاكل ألفاظ المشركين من الكلمات المنافية للعقيدة الإسلامية كما ذكرنا. وقد عقد الإمام ابن القيّم في زاد المعاد فصلاً في هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ النطق واختيار الألفاظ قال: كان صلى الله عليه وسلم يتخير في خطابه، ويختار لأمته أحسن ألفاظ وأجملها وألطفها، وأبعدها من ألفاظ أهل الجفاء والغلظة والفحش. إلى أن قال: ومن ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن قول القائل بعد فوات الأمر: لو أني فعلت كذا وكذا. وقال: " إنها تفتح عمل الشيطان " وأرشده إلى ما هو أنفع له من هذه الكلمة، وهو أن يقول: قدر الله، وما شاء فعل. وذلك لأن قوله: لو كنت فعلت كذا وكذا لم يفتني ما فاتني أو لم أقع فيما وقعت فيه، كلام لا يجدي عليه فائدة البتة، فإنه غير مستقبل لما استدبر من أمره، وغير مستقيل عثرته بـ (لو).

السابقالتالي
2 3 4