الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ }

{ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ } أي: الشهوات المزينة لكم { لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا } الله ولم ينهمكوا في شهواتهم { عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } من أنواع الأشربة من العسل واللبن والخمر والماء وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، و { لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا } خبر المبتدأ الذي هو { جَنَّاتٌ } و { تَجْرِي } صفة لها، و { عِندَ } إما متعلق بما تعلق به الجار من معنى الاستقرار، وإما صفة للجنات في الأصل، قدّم فانتصب على الحال. والعندية مفيدة لكمال علو رتبة الجنات وسمو طبقتها { خَالِدِينَ فِيهَا } أي: ماكثين فيها أبد الآباد لا يبغون عنها حولاً.

{ وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } أي: من الأرجاس والأدناس البدنية والطبيعية مما لا يخلو عنه نساء الدنيا غالباً { وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ } التنوين للتفخيم أي: رضوان لا يقدر قدره. وهذه اللذة الروحانية تتمة ما حصل لهم من اللذات الجسمانية وأكبرها. كما قال تعالى في آية براءة:وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [التوبة: 72] أي: أعظم ما أعطاهم من النعيم المقيم. روى الشيخان عن أبي سعيد الخدريّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك؟ قالوا: يا ربنا وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً " { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } أي: عالم بمصالحهم فيجب أن يرضوا لأنفسهم ما اختاره لهم من نعيم الآخرة، وأن يزهدوا فيما زهّدهم فيه من أمور الدنيا.

ثم وصف سبحانه الذين اتقوا ففازوا بتلك الكرامات بقوله:

{ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا... }.