الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ }

{ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ } بالفتح والضم قراءتان، وهما لغتان، كالضَّعف والضُّعف، أي: إن أصابكم يوم أُحُد جراح { فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ } أي: يوم بدر ولم يضعفوا ولم يجبنوا فأنتم أولى، لأنكم موعودون بالنصر دونهم، أي: فقد استويتم في الألم، وتباينتم في الرجاء والثواب، كما قال:إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ } [النساء: 104]. فما بالكم تهنون وتضعفون عند القرح والألم، فقد أصابهم ذلك في سبيل الشيطان، وأنتم أُصبتم في سبيل الله، وابتغاء مرضاته. وقيل: كلا المسَّيْن كان يوم أُحُد، فإن المسلمين نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ } أي: أيام هذه الحياة الدنيا { نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } أي: نصرفها بينهم، نذيل تارة لهؤلاء، وتارة لهؤلاء. فهي عرض حاضر، يقسمها بين أوليائه وأعدائه. بخلاف الآخرة، فإن عرضها ونصرها ورجاءها خالص للذين آمنوا.

قال ابن القيم قدس سره (في ذكر بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أحد): ومنها أن حكمة الله وسنته في رسله وأتباعهم جرت بأن يُدَالوا مرة ويدال عليهم أخرى، لكن تكون لهم العاقبة. فإنهم لو انتصروا دائماً دخل معهم المسلمون وغيرهم ولم يميز الصادق من غيره. ولو انتُصِرَ عليهم دائماً لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة. فاقتضت حكمة الله أن جمع لهم بين الأمرين ليتميز من يتبعهم ويطيعهم للحق وما جاؤوا به، ممن يتبعهم على الظهور والغلبة خاصة - انتهى.

وقوله تعالى: { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } قال ابن القيم: حكمة أخرى وهي أن يتميز المؤمنون من المنافقين فيعلمهم علم رؤية ومشاهدة بعد أن كانوا معلومين في غيبه، وذلك العلم الغيبيّ لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب، وإنما يترتبان على المعلوم إذا صار مشاهداً واقعاً في الحس.

لطيفة

في الآية وجهان: أحدهما: أن يكون المعلل محذوفاً معناه: وليعلم... الخ فعلنا ذلك. الثاني: أن تكون العلة محذوفة وهذا عطف عليه معناه: وفعلنا ذلك ليكون كيت وكيت، وليعلم الله. وإنما حذف للإيذان بأن المصلحة فيما فعل ليست بواحدة ليسليهم عما جرى عليه وليبصِّرهم أن العبد يسوؤه ما يجري عليه من المصائب، ولا يشعر أن لله في ذلك من المصالح ما هو غافل عنه - أفاده الزمخشريّ.

تنبيه

في هذه الآية بحث مشهور، وذلك بأن ظاهرها مشعر بأنه تعالى إنما فعل ذلك ليكتسب هذا العلم، ومعلوم أن ذلك محال على الله تعالى، ونظيرها في الإشكال قوله تعالى:أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ... } [آل عمران: 142] الخ. وقوله:وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } [العنكبوت: 3] وقوله:لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ... }

السابقالتالي
2