الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ }

{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ } كلام مستأنف سيق لبيان حقارة شأن الحظوظ الدنيوية بأصنافها، وتزهيد الناس فيها، وتوجيه رغباتهم إلى ما عنده تعالى، إثرَ بيان عدم نفعها للكفرة الذي كانوا يتعززون بها. والمراد بالناس: الجنس - قاله أبو السعود - { حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ } أي: المشتهيات، وعبر عنها بذلك مبالغة في كونها مشتهاة مرغوباً فيها، أو تخسيساً لها، لأن الشهوة مسترذلة عند الحكماء، مذموم من اتبعها، شاهد على نفسه بالبهيمية، { مِنَ ٱلنِّسَاءِ } في تقديمهن إشعار بعراقتهن في معنى الشهوة إذ يحصل منهن أتم اللذات { وَٱلْبَنِينَ } للتكثر بهم، وأمل قيامهم مقامهم من بعدهم، والتفاخر والزينة { وَٱلْقَنَاطِيرِ } أي: الأموال الكثيرة، وقوله { ٱلْمُقَنْطَرَةِ } مأخوذة منها للتوكيد كقولهم ألف مؤلفة، وبدرة مبدرة، وإبل مؤبلة، ودراهم مدرهمة { مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ } قال الرازيّ: وإنما كانا محبوبين لأنهما جعلا ثمن جميع الأشياء، فمالكهما كالمالك لجميع الأشياء، وصفة المالكية هي القدرة، والقدرة صفة كمال، والكمال محبوب لذاته، فلما كان الذهب والفضة أكمل الوسائل إلى تحصيل هذا الكمال الذي هو محبوب لذاته وما لا يوجد المحبوب إلا به فهو محبوب - لا جرم كانا محبوبين { وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ } أي: المرسلة إلى المرعى ترعى حيث شاءت، أو التي عليها السيمياء - أي: العلامة - قال أبو مسلم: المراد من هذه العلامات الأوضاح والغرر التي تكون في الخيل، وهي أن تكون الأفراس غراً محجلة { وَٱلأَنْعَامِ } جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم لتحصيل الأموال النامية { وَٱلْحَرْثِ } أي: الأرض المتخذة للغراس والزراعة.

{ ذٰلِكَ } أي: المذكور { مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } يتمتع به فيها ثم يفنى { وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ } أي: المرجع وهو الجنة، فينبغي الرغبة فيه دون غيره. وفي إشعاره ذم من يستعظم تلك الشهوات ويتهالك عليها، ويرجح طلبها على طلب ما عند الله، وتزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة.

تنبيه

في تزيين هذه الأمور المذكورات للناس إشارة لما تضمنته من الفتن:

فأما النساء، ففي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ".

وأما البنون، ففي مسند أبي يعلى عن أبي سعيد مرفوعاً: " الولد ثمرة القلب، وإنه مجبنة مبخلة محزنة " ، أي: يجبن أبوه عن الجهاد خوف ضيعته، ويمتنع أبوه من الإنفاق في الطاعة خوف فقره، ويحزن أبوه لمرضه خوف موته، وقد قال تعالى:إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ } [التغابن: 14]، وقيل لبعض النساك: ما بالك لا تبتغي ما كتب الله لك؟ قال: سمعاً لأمر الله. ولا مرحباً بمن عاش فتنني، وإن مات أحزنني. يريد قوله تعالى:إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [التغابن: 15].

وأما القناطير المقنطرة ففيها الآية قبل، وقوله تعالى:

السابقالتالي
2