الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

{ قَدْ كَانَ لَكُمْ } أيها الكافرون المتقدم ذكرهم { آيَةٌ } عبرة ودلالة على أنكم ستغلبون، وعلى أن الله معزّ دينه، وناصر رسوله، ومُعْلٍ أمره { فِي فِئَتَيْنِ } أي: فرقتين { ٱلْتَقَتَا } يوم بدر للقتال { فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } أي: طاعته، وهم النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً. معهم فَرَسَانِ وست أدرع وثمانية سيوف وأكثرهم رجالة { وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ } وهم مشركو قريش وكانوا قريباً من ألف { يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ } أي: يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين قريباً من ألفين، أراهم الله إياهم، مع قلتهم، أضعافَهم ليهابوهم، ويجبنوا عن قتالهم، وكان ذلك مدداً لهم من الله تعالى، كما أمدهم بالملائكة. فإن قلت: فهذا مناقض لقوله في سورة الأنفال:وَيُقَلِّلُكُمْ فِيۤ أَعْيُنِهِمْ } [الأنفال: 44] قلت: قللوا أولاً في أعينهم حتى اجترؤوا عليهم، فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا، فكان التقليل والتكثير في حالين مختلفين. ونظيره في المحمول على اختلاف الأحوال قوله تعالى:فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } [الرحمن: 39]. وقوله تعالى:وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } [الصافات: 24] وتقليلهم تارة وتكثيرهم أخرى في أعينهم. أبلغ في القدرة وإظهار الآية - كذا في الكشاف - قلت: أو يجاب بأنهم كثروا أولاً في أعينهم ليحصل لهم الرعب والخوف والجزع والهلع، ثم لما حصل التصافُّ والْتقى الفريقان قلل الله هؤلاء في أعين هؤلاء ليقدم كل منهما على الآخر ليقضي الله أمراً كان مفعولاً { رَأْيَ ٱلْعَيْنِ } يعني: رؤية ظاهرة مكشوفة لا لبس فيها، معاينة كسائر المعاينات - كذا في الكشاف.

{ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ } أي: يقويّ { بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ } أي: التكثير والتقليل، وغلبة القليل، مع عدم العدة، على التكثير الشاكي السلاح { لَعِبْرَةً } أي: لاعتباراً وآية وموعظة { لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } لذوي العقول والبصائر.