الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }

{ لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } اعتراضاً لئلا يغفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرى لنفسه تأثيراً في بعض هذه الأمور فيحتجب عن التوحيد، أي: ليس لك من أمرهم شيء، كيفما كان، ما أنت إلا بشر مأمور بالإنذار. إن عليك إلا البلاغ، إنما أمرهم إلى الله - أفاده القاشانيّ - وفي الاعتراض تخفيف من حزنه لكفرهم، وحرصه على هداهم، كما قال:لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [البقرة: 272]. وقوله تعالى: { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ }. أي: مما هم فيه من الكفر فيهديهم للإسلام بعد الضلالة { أَوْ يُعَذِّبَهُمْ } أي: في الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم { فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } أي: يستحقون ذلك لاستمرارهم على العناد.

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد, قَنَـتَ بعد الركوع, فربما قال, إذا قال سمع الله لمن حمده: " اللهم! ربنا ولك الحمد: اللهم! أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة, اللهم! اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف، يجهر بذلك " ، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: " اللهم العن فلاناً وفلاناً " لأحياء من العرب حتى أنزل الله: { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ... } الآية ".

وقد أسند ما علقه عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر، يقول: " اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ". فأنزل الله: { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ... } الآية - ورواه الإمام أحمد عن ابن عمر أيضاً ولفظه: " اللهم العن فلاناً وفلاناً. اللهم العن الحارث بن هشام. اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية " فنزلت هذه الآية: { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ... } الآية، فتيب عليهم كلهم.

وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج في جبهته حتى سال الدم على وجهه، فقال: " كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم عز وجل " ، فأنزل الله: { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } " الآية - انفرد به مسلم. ورواه البخاريّ تعليقاً. وقد تقدم لنا في مقدمة التفسير تحقيق معنى سبب النزول، وأن الآية قد تذكر استشهاداً في مقام، لكونها مما تشمله. فيطلق الراوي عليها النزول فيه، ولا يكون قصده أن هذا كان سبباً لنزولها.

السابقالتالي
2