الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ }

{ بَلَىۤ } إما من تتمة مقوله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أو ابتداء خطاب من الله تعالى تأييداً لقول نبيه وزيادة على ما وعدهم تكرماً وفضلاً. أي: نعم يكفيكم الإمداد بثلاثة آلاف ولكنه يزيدكم { إِن تَصْبِرُواْ } على قتالهم { وَتَتَّقُواْ } الفرار عنهم { وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا } أي: ساعتهم هذه فلا تنزعجوا بمفاجأتهم { يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ } في حال إتيانهم لا يتأخر نزولهم عن إتيانهم { مُسَوِّمِينَ } بكسر الواو أي معلمين أنفسهم بأداة الحرب على عادة الفرسان يوم اللقاء ليعرفوا بها. وقرئ بفتح الواو أي: معلَّمين من قبله تعالى. روى البخاريّ عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: " هذا جبريل آخذ براس فرسه عليه أداة للحرب ".

تنبيه

وفي وعده صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بالإمداد بقوله: { إِذْ تَقُولُ } وجهان:

الأول: أنه كان في يوم بدر، فإن سياق ما قبله يدل عليه وهو قولهوَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ } [آل عمران: 123] فـ { إِذْ } ظرف لـ { نَصَرَكُمُ } ، أي: نصركم وقت قولك للمؤمنين وقد أظهروا العجز واستغاثوا ربهم.

فإن قيل: فما الجمع بين هذه الآية، على هذا الوجه، وبين قوله في سورة الأنفال في قصة بدر:إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } [الأنفال: 9]. فالجواب: أن التنصيص على الألف ههنا لا ينافي الثلاثة آلاف فما فوقها، لقوله: { مُرْدِفِينَ } بمعنى يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم، وذلك أنهم لما استغاثوا أمدهم بألف ثم أمدهم بتمام ثلاثة آلاف، ثم أمدهم بتمام خمسة آلاف لما صبروا واتقوا، وكان هذا التدريج ومتابعة الإمداد أحسن موقعاً وأقوى لتقويتهم، وأسرها من أن يأتي مرة واحدة، وهو بمنزلة متابعة الوحي، ونزوله مرة بعد مرة. قال الربيع بن أنس: أمد الله المسلمين بألف، ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسة آلاف، ومما يؤيد هذا الوجه أن سياق بدر في الأنفال من قوله تعالى:وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ... } الآيات[الأنفال: 7 وما بعدها] شبيهة بهذا السياق هنا. كما يذوقه من تدبره.

الوجه الثاني: أن هذا الوعد كان يوم أُحُد، فإن القصة في سياق أُحُد، وإنما أدخل ذكر بدر اعتراضاً في أثنائها؛ ليذكرهم بنعمته عليهم، لما نصرهم ببدر وهم أذلة، وإنه كذلك هو قادر على نصرهم في سائر المواطن. ثم عاد إلى قصة أُحُد، وأخبر عن قول رسوله لهم:أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ... } [آل عمران: 124] الآية. ثم وعدهم أنهم إن صبروا واتقوا أمدهم بخمسة آلاف. فهذا من قول رسوله، والإمداد الذي ببدر من قوله تعالى، وهذا بخمسة آلاف. وإمداد بدر بألف، وهذا معلق على شرط، وذاك مطلق، والقصة في هذه السورة هي قصة أُحُد مستوفاة مطولة وبدر ذكرت فيها اعتراضاً.

السابقالتالي
2