الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } لما ذكر تعالى قصة أُحُد أتبعها بذكر قصة بدر. وذلك لأن المسلمين يوم بدر كانوا في غاية الضعف عَدداً وعُدداً، والكفار كانوا في غاية الشدة والقوة. ثم إنه تعالى نصر المسلمين على الكافرين، فصار ذلك من أقوى الدلائل على أن ثمرة التوكل عليه تعالى والصبر والتقوى هو النصر والمعونة والتأييد. وبدر موضع بين الحرمين، إلى المدينة أقرب، يقال هو منها على ثمانية وعشرين فرسخاً. أو اسم بئر هناك حفرها رجل اسمه بدر, وقوله: { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي: راجين أن تشكروا ما أنعم به عليكم بتقواكم من نصرته. وقد أشير في مواضع من التنزيل إلى غزوة بدر، وكانت في شهر رمضان، السنة الثانية من الهجرة، وكان سببها: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم بلغه أن عيرا لقريش فيها أموال عظيمة مقبلة من الشام إلى مكة. معها ثلاثون أو أربعون رجلاً من قريش، عميدهم أبو سفيان، ومعه عمرو بن العاص، ومخرمة بن نوفل. فندب صلى الله عليه وسلم إلى هذه العير. وأمر من كان ظهره حاضراً بالخروج. ولم يحتفل في الحشد. لأنه لم يظن قتالاً. وخرج مسرعاً في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، لم يكن معهم من الخيل إلا فَرَسَانِ، وكان معهم سبعون بعيراً يتعقبونها. واتصل خروجه بأبي سفيان، فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاريّ، وبعثه إلى أهل مكة يستنفرهم لعيرهم. فنفروا وأوعبوا. وخرج صلى الله عليه وسلم لثمان خلون من رمضان، واستخلف على الصلاة عمرو بن أم مكتوم، وردّ أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير، ودفع إلى عليٍّ راية، وإلى رجل من الأنصار راية أخرى، يقال: كانتا سوداوين. وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة. وراية الأنصار يومئذ مع سعد بن معاذ، فسلكوا نقب المدينة إلى ذي الحليفة، ثم انتهوا إلى صخيرات يمام، ثم إلى بئر الروحاء. ثم رجعوا ذات اليمين عن الطريق إلى الصفراء. وبعث صلى الله عليه وسلم قبلها بسبس بن عمرو وعديّ بن أبي الزغباء إلى بدر يتجسسان أخبر أبي سفيان وعِيرِهِ، ثم تنكب عن الصفراء يميناً، وخرج على وادي دقران. فبلغه خروج قريش ونفيرهم، فاستشار أصحابه فتكلم المهاجرون، وأحسنوا، وهو يريد ما يقول الأنصار، وفهموا ذلك، فتكلم سعد بن معاذ، وكان فيما قال: لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، فسرْ بنا يا رسول الله على بركة الله. فسرّ بذلك وقال: " سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين " ثم ارتحلوا من دقران إلى قريب من بدر، وبعث علياً والزبير وسعداً في نفر يلتمسون الخبر.

السابقالتالي
2 3