الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

{ وَإِذْ غَدَوْتَ } أي: خرجت { مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ } أي: تنزل { ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ } أي: أماكن ومراكز يقفون فيها { لِلْقِتَالِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ذهب الجمهور وعلماء المغازي إلى أن هذه الآية في وقعة أُحُد، والسر في سوق هذه الوقعة الأُحُدِيَّة وإيلائها البدرية، هو تقرير ما سبق. فإن المدعي فيما قبلها المساءة بالحسنة والمسرة بالمصيبة وسنة الله تعالى فيهم في باب النصر والمعونة ودفع مضار العدوّ، إذا هم صبروا واتقوا، والتغيير إذا غيروا. أي: اذكر لهم ما يصدق ذلك من أحوالكم الماضية حين لم يصبروا في أُحُد، فأصيبوا وسرَّت الأعداء مصيبتكُم، وحين صبروا واتبعوا فنُصِروا وساء العدوَّ نصرُهم. وفي توجيه الخطاب إليه صلى الله عليه وسلم تهييج لغيره إلى تدقيق النظر واتباع الدليل، من غير أدنى وقوف مع المألوف - كذا يستفاد من تفسير البقاعيّ.

وهذه الآية هي افتتاح القصة، وقد أنزل فيها ستون آية، وأشير في هذه السورة إلى بعض الحكم، والغايات المحمودة التي كانت في هذه الوقعة، كما سيذكر، وكانت في شوال سنة ثلاث باتفاق الجمهور، وكان سببها أن الله تعالى لما قتل أشراف قريش ببدر، وأصيبوا بمصيبة لم يصابوا بمثلها، ورأس فيهم أبو سفيان بن حرب لذهاب أكابرهم، وجاءوا إلى أطراف المدينة في غزوة السَّوِيق، ولم ينل ما في نفسه، أخذ يؤلّب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين، ويجمع الجموع قريباً من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيش. وجاءوا بنسائهم لئلا يفروا ليحاموا عنهن. ثم أقبل بهم نحو المدينة، فنزل قريباً من جبل أُحُد، واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه: أيخرج إليهم أم يمكث في المدينة؟ وكان رأيه ألا يخرجوا من المدينة، وأن يتحصنوا بها، فإن دخلوها قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقة، والنساء من فوق البيوت، ووافقه على هذا الرأي عبد الله بن أُبي. وكان هو الرأي. فبادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر، وأشاروا عليه بالخروج، وألحوا عليه في ذلك، فنهض ودخل بيته، ولبس لأمَتَهُ، وخرج عليهم وقد انثنى عزم أولئك الملحّين، وقالوا: أكْرَهْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على الخروج، فقالوا: يا رسول الله إن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ينبغي لنبيّ، إذا لبس لأمَتَه، أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوّه ". وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه، واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة ببقية المسلمين في المدينة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا وهو بالمدينة: رأى أن في سيفه ثلمة، ورأى أن بقرا تذبح، وأنه أدخل يده في درع حصينة.

السابقالتالي
2 3 4