الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

{ هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ } أي: تخالطونهم وتُفشون إليهم أسراركم ولا يفعلون مثل ذلك بكم. وقوله: { وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَابِ كُلِّهِ } الواو للحال وهي منتصبة من ضمير المفعول في { لاَ يُحِبُّونَكُمْ } والمعنى لا يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتابهم فلا تنكرون منه شيئاً، فليس فيكم ما يوجب بغضهم لكم. فما بالكم تحبونهم وهم يكفرون بكتابكم كله؟

ولم تجعل الواو للعطف على { وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ } أو { تُحِبُّونَهُمْ } كما ارتضاه أبو حيان لأنه في معرض التخطئة. ولا كذلك الإيمان بالكتاب فإنه محض الصواب. واعتذر له بأن المعنى: يجمعون بين محبة الكفار والإيمان وهما لا يجتمعان، لبعده. والحالية مقررة للخطأ فتأمل، نقله الخفاجيّ.

قال الزمخشريّ: فيه توبيخ شديد بأنهم في باطلهم أصلب منكم في حقكم. ونحوه:فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ } [النساء: 104]. { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا } نفاقاً وتغريراً { وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } أي: من أجله، تأسفاً وتحسراً. حيث لم يجدوا إلى التشفي سبيلا. وعضُّ الأنامل عادةُ النادم العاجز والمغتاظ إذا عظم حزنه على فوات مطلوبه. ولما كثر هذا الفعل من الغضبان صار ذلك كناية عن الغضب. حتى يقال في الغضبان: إنه يعض يده غيظاً. وإن لم يكن هناك عض { قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ } دعاء عليهم بأن يزداد غيظهم حتى يهلكوا به. والمراد بزيادة الغيظ زيادة ما يغيظهم من قوة الإسلام وعز وأهله. وما لهم في ذلك من الذل والخزي والتبار. كذا في الكشاف.

{ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } فيعلم ما في صدورهم من البغضاء والحنق. وهو يحتمل أن يكون من المقول أي: وقل لهم: إن الله عليم بما هو أخفى مما تخفونه من عض الأنامل غيظاً. وأن يكون خارجاً عنه بمعنى: قل لهم ذلك لا تتعجب من إطْلاعي إياك على أسرارهم فإني عليم بالأخفى من ضمائرهم. وقيل: هو أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطيب النفس، وقوة الرجاء، والاستبشار بوعد الله تعالى أن يهلكوا غيظاً بإعزاز الإسلام، وإذلالهم به من غير أن يكون ثمة قول. كأنه قيل: حدث نفسك بذلك - أفاده أبو السعود.

ثم بين تعالى تناهي عداوتهم بقوله:

{ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن... }.