الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } كلام مستأنف سيق لتثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الإتفاق على الحق، والدعوة إلى الخير، و { كُنْتُمْ } من كان التامة، والمعنى وجدتم وخلقتم خير أمة، أو الناقصة والمعنى كنتم في علم الله خير أمة، أو في الأمم الذين كانوا قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة و { أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } صفة لأمة، واللام متعلقة بـ { أُخْرِجَتْ } ، أي: أظهرت لهم حتى تميزت وعرفت، وفصل بينها وبين غيرها. ثم بين وجه الخيرية بما لم يحصل مجموعه لغيرهم بقوله: { تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } فبهذه الصفات فضلوا على غيرهم ممن قال تعالى فيهم:كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [المائدة: 79].وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ } [النساء: 150]. قال أبو السعود: وتؤمنون بالله أي: إيماناً متعلقاً بكل ما يجب أن يؤمن به من رسول وكتاب وحساب وجزاء. وإنما لم يصرح به تفصيلاً لظهورِ أنه الذي يؤمن به المؤمنون، وللإيذان بأنه هو الإيمان بالله تعالى حقيقة، وأن ما خلا عن شيء من ذلك كإيمان أهل الكتاب ليس من الإيمان به تعالى في شيء. قال تعالى:وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ حَقّاً } [النساء: 150-151] وإنما أخر ذلك عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع تقدمه عليهما وجوداً ورتبة؛ لأن دلالتهما على خيريتهم للناس أظهر من دلالته عليها وليقترن ما بعده - انتهى. روى ابن جرير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى من الناس رِعَةً، فقرأ هذه الآية { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } ثم قال: من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها. ونظير هذه الآية قوله تعالى:وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } [البقرة: 143]، أي: خياراً،لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [البقرة: 143]، أي: بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقد روي في معنى الآية عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أحاديث وافرة، منها ما أخرجه الإمام أحمد والترمذيّ والحاكم عن معاوية بن حيدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا إنكم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل " قال ابن كثير: وهو حديث مشهور، وقد حسنه الترمذيّ، ويروى من حديث معاذ بن جبل وأبي سعيد ونحوه. وإنما حازت هذه الأمة قصب السبق إلى الخيرات بنبيها محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه أشرف خلق الله، وأكرم الرسل على الله، وبعثه الله بشرع كامل عظيم، لم يُعْطَهُ نبيّ قبله، ولا رسول من الرسل، فالعمل على منهاجه وسبيله، يقوم القليل منه ما لا يقوم العمل الكثير من أعمال غيرهم مقامه. وقد ذكر الحافظ ابن كثير ههنا حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وساق طرقه ومخرجيه فأجاد رحمه الله تعالى.

السابقالتالي
2