الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ }

{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } أي: أمرناه أمراً مؤكداً بإيلاء والديه فعلا ذا حسن عظيم { وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ } أي: في الشرك، إذا حملاك عليه. ومعنى { مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } أي: لا علم لك بإلهيته. قال القاضي: عبر عن نفيها بنفي العلم بها، للإيذان بأن ما لا يعلم صحته، لا يجوز اتباعه، وإن لم يعلم بطلانه. فكيف بما علم بطلانه؟ { إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي: إليّ مرجع من آمن منكم ومن أشرك. فأجازيكم حق جزائكم. فيه التحذير من متابعتهما على الشرك والحث على الثبات والاستقامة في الدين، بذكر المرجع والوعيد. وقد روي أن سعد بن أبي وقاص الزهريّ رضي الله عنه حين أسلم، قالت أمه: يا سعد! بلغني أنك قد صبأت. فوالله! لا يظلني سقف بيت من الضحّ والريح. وإن الطعام والشراب عليّ حرام، حتى تكفر بمحمد وكان أحب ولدها إليها. فأبى سعد. وبقيت ثلاثة أيام كذلك. فجاء سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا إليه. فنزلت هذه الآية، والتي في لقمان، والتي في الأحقاف. فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يداريها ويترضاها بالإحسان. وروى الترمذي عن سعد قال: نزلت فيّ أربع آيات. فذكر قصته وقال: قالت أم سعد: أليس الله قد أمرك بالبر؟ والله لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى أموت، أو تكفر. فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها. فنزلت هذه الآية. قال ابن كثير: وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي أيضاً وقال الترمذي: حسن صحيح.

{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي ٱلصَّالِحِينَ } أي: في زمرة الراسخين في الصلاح والكمال. قال الزمخشري: والصلاح من أبلغ صفات المؤمنين، وهو متمنى أنبياء الله. قال الله تعالى حكاية عن سليمان عليه السلام..وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ } [النمل: 19] وقال في إبراهيم عليه السلاموَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [النحل: 122] والمعنى: في مدخل الصالحين وهي الجنة. وهذا نحو قوله تعالى:وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } ..[النساء: 69] الآية.