الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } * { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ }

{ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } تحريض على العبادة وإخلاص الدين بتذكير الموت والرجعى. أو تسلية للمهاجر إلى الله، وتشجيع له، بأن لا يثبطه عن هجرته خوف الموت بسببها. فلا المقام بأرضه يدفعه، ولا هجرته عنه تمنعه. وفيه استعارة بديعة لتشبيه الموت بأمر كريه الطعم، مُرِّه { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ * ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } أي: على مفارقة الأوطان والهجرة لأجل الدين. وعلى أذى المشركين وعلى المحن والمصائب { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } ثم أشار تعالى إلى كفالته لمن هاجر إليه، من الفقر والضيعة، بقوله سبحانه: { وَكَأَيِّن } أي: وكم { مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا } أي: لا تطيق أن تحمله لضعفها عن حمله { ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } أي: يقيّض لها رزقها على ضعفها ويرزقكم مع قوتكم واجتهادكم فهو الميسّر والمستهل لكل مخلوق من رزقه ما يصلحه. فلا يختص: رزقه ببقعة دون أخرى، بل خيره عامّ وفضله شامل لخلقه، حيث كانوا وأنَّى وجدوا. وقد ظهر مصداق كفالته تعالى لأولئك المهاجرين، بما وسع عليهم وبسط لهم من طيب الرزق ورغد العيش وسيادة البلاد في سائر الأمصار. وهذا معنى ما ورد مرفوعا " سافروا تصحوا وتغنموا " رواه البيهقيّ.

{ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ * وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } يعني: هؤلاء المشركين الذين يعبدون معه غيره { مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } أي: اعترافاً بأنه المنفرد بخلقها { فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } أي: فكيف مع هذا الاعتراف يصرفون عن عبادته وحده، ويشركون به ما لا يضر ولا ينفع. وكثيرا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية. وقد كان المشركون يعرفون بذلك.