الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَـٰؤُلاۤءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلْكَافِرونَ } * { وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ }

{ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ } أي: مثل ذلك الإنزال، أنزلنا إليك الكتاب. أي: أنزلناه مصدقا لسائر الكتب السماوية { فَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَـٰؤُلاۤءِ } أي: العرب { مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ ٱلْكَافِرونَ * وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } أي: فإن ظهور هذا الكتاب الجامع لما يكفل سعادة الدارين في شرائعه وقضاياه، على أميّ لم يعرف بالقراءة والتعلم، خارق للعادة، وذكر اليمين زيادة تصوير للمنفيّ، ونفي للتجوز في الإسناد { إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ } أي: لو كنت ممن يخط ويقرأ، لقالوا: لعله تعلمه أو كتبه بيده، من كتبٍ مأثورة عن الأنبياء.

تنبيه

قال السيوطيّ في (الإكليل): في هذه الآية دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب. وفيها ردّ على من زعم أنه كتب. انتهى.

وقال ابن كثير: وهذه صفته في الكتب المتقدمة. كما قال تعالى:ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ } [الأعراف: 157] الآية وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائماً لا يحسن الكتابة ولا يخط سطرا ولا حرفا بيده. بل كان له كتَّابٌ يكتبون بين يديه الوحي والرسائل إلى الأقاليم. ومن زعم، من متأخري الفقهاء، كالقاضي ابن الوليد الباجي ومن تابعه، أنه عليه السلام كتب يوم الحديبية: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله. فإنما حمله على ذلك رواية في صحيح البخاري (ثم أخذ فكتب) وهذه محمولة على الرواية الأخرى (ثم أمر فكتب) ولهذا اشتد النكير من فقهاء المشرق والمغرب على من قال بقول الباجي، وتبرأوا منه وأنشدوا في ذلك أقوالا وخطبوا به في محافلهم. وإنما أراد الرجل أعني الباجي فيما يظهر عنه. أنه كتب ذلك على وجه المعجزة. لا أنه كان يحسن الكتابة. وما أورده بعضهم من الحديث؛ أنه لم يمت صلى الله عليه وسلم حتى تعلم الكتابة، فضعيف لا أصل له. انتهى.

وقال الشهاب: وممن ذهب إلى أنه كان يحسن الكتابة، أبو ذرّ الهروي وأبو الفتح النيسابوري وأبو الوليد الباجي من المغاربة. وصنف فيه كتاباً، سبقه إليه ابن منبه. ولما قال أبو الوليد ذلك، طعن فيه ورمى بالزندقة وسب على المنابر، ثم عقد له مجلس فأقام الحجة على مدعاه وكتب به إلى علماء الأطراف. فأجابوا بما يوافقه. وأن معرفة الكتابة بعد أميّته لا تنافي المعجزة. بل هي معجزة أخرى، لكونها من غير تعليم. ورد الإمام محمد بن مفوز كتاب الباجي لما في الحديث الصحيح: " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " وقال: كل ما ورد في الحديث من قوله: " كتب " فمعناه أمر بالكتابة. انتهى.