الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } * { خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ }

{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً } أي: تعتمد على قوته وتظنه محيطاً بها، دافعاً عنها الحرّ والبرد { وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ } أي: أضعفها { لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ } أي: لأنه لا يحتمل مسّ أدنى الحيوانات وأضعف الرياح. ولا يدفع شيئاً من الحرّ والبرد. وهذا مثلهم { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } أي: شيئاً مّا. أو إن أولياءهم أوهى من ذلك ثم الغرض من التشبيه هو تقرير وهن دينهم، وإنه بلغ الغاية فيه، وهو إما تشبيه مركب من الهيئة المنتزعة، فمدار قطب التمثيل على أن أولياءهم بمنزلة نسج العنكبوت في ضعف الحال وعدم الصلاحية للاعتماد. وعلى هذا فقوله: { وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ } تذييل يعرّف الغرض من التشبيه. وقوله: { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } إيغال في تجهيلهم. لأنهم لا يعلمونه مع وضوحه لدى من له أدنى مسكة. وإما أن يكون من تشبيه المفرد، لأن المقصود بيان حال العابد والمعبود وفي الآية لطائف بيانية ذكرت في المطولات.

وقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ } بالياء والتاء في (تدعون) قراءتان. و(ما) إما استفهامية منصوبة بـ (يدعون) و(من) الثانية للتبيين. أو نافية و(من) مزيدة. و(شيء) مفعول (تدعون) أو مصدرية بمعنى الدعوة و(شيء) مصدر بمعناه أيضاً. أو موصولة مفعول لـ (يعلم) ومفعول (يدعون) عائده المحذوف. والكلام على الأولين تجهيل لهم وتوكيد للمثل. وعلى الآخرين وعيد لهم. أفاده القاضي { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ } يعني: هذا المثل ونظائره في التنزيل { نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ } أي: ليقرب ما بعد من أفهامهم. فإن الأمثال والتشبيهات طرق تبرز فيها المعاني المحتجبة للأفهام { وَمَا يَعْقِلُهَآ } أي: يدرك حسنها وفوائدها { إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } أي: الراسخون في العلم الكاملون فيه. وعن عمرو بن مرة قال: ما مررت بآية من كتاب الله لا أعرفها، إلا أحزنني. لأني سمعت الله تعالى يقول: { وَتِلْكَ ٱلأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ ٱلْعَالِمُونَ } { خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } أي: محقّاً مراعياً للحكم والمصالح، مقدساً عن أن يقصد به باطلا. فالباء للملابسة، والجار والمجرور حال. وهذا كقوله تعالى:وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَـٰعِبِينَ } [الدخان: 38] { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ }.