الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ الۤـمۤ } * { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ }

{ الۤـمۤ * أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } أي: أحسب الذين أجروا كلمة الشهادة على ألسنتهم، وأظهروا القول بالإيمان، أنهم يتركون بذلك غير ممتحنين، بل يمحنهم الله بضروب المحن، حتى يبلو صبرهم وثبات أقدامهم وصحة عقائدهم. لتمييز المخلص من غير المخلص. كما قال:لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } [آل عمران: 186] وكقوله:أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ } [آل عمران: 142] وقوله تعالى:أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } [البقرة: 214]. وكل هذه الآيات وأمثالها مما نزل بمكة في تثبيت قلوب المؤمنين، وتصبيرهم على ما كان ينالهم من أذى المشركين.

{ وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي: من أتباع الأنبياء عليهم السلام، بضروب من الفتن من أعدائهم، كما دوّن التاريخ اضطهادهم. أي: فصبروا وما وهنوا لما أصابهم حتى علت كلمة الله { فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ } أي: في قولهم: { آمَنَّا } { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } أي فيه: وذلك بالامتحان.

فإن قيل: يتوهم من صيغة الفعل أن علمه حدث، مع أنه قديم. إذ علمه بالشيء قبل وجوده وبعده، لا يتغير. يجاب: بأن الحادث هو تعلق علمه بالمعلوم بعد حدوثه.

وقال الناصر: فائدة ذكر العلم هاهنا، وإن كان سابقاً على وجود المعلوم هو التنبيه بالسبب على المسبب. وهو الجزاء كأنه قال تعالى: (ليعلمنهم فليجازينهم بحسب علمه فيهم).

وقال المهايميّ: { فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ } أي: يظهر علمه عند خلقه بصدق إيمان { ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ } فيه، بدلالة ثباتهم عليه عند المصائب { وَلَيَعْلَمَنَّ } أي: وليظهر علمه بكذب دعوى { ٱلْكَاذِبِينَ } لئلا يشهدوا عنده بإيمان الكاذبين، فينسب في تعذيبهم إلى الظلم. وليثق المؤمنون الصادقين، ويستظهروا بها، ويحذروا عن مكر الكاذبين. انتهى.