الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ }

{ وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أي: لتتوادّوا بينكم وتتواصلوا، لاجتماعكم على عبادتها { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } أي تتجاحدون ما كان بينكم، ويلعن الأتباعُ المتبوعين، والمتبوعون الأتباعَ. كما قال تعالى:كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } [الأعراف: 38]، وقال تعالى:ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [الزخرف: 67] { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }.

تنبيه

قال السمين: في (ما) من قوله تعالى: { إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ } ثلاثة أوجه:

أحدها: أنها موصولة بمعنى (الذي) والعائد محذوف، وهو المفعول الأول { أَوْثَاناً } مفعول ثان. والخبر (مودة) في قراءة من رفع. والتقدير: إن الذي اتخذتموه أوثاناً مودة، أي: ذو مودة، أو جعل نفس المودة مبالغة. ومحذوف على قراءة من نصب { مَّوَدَّةَ } أي: الذي اتخذتموه أوثاناً لأجل المودة لا ينفعكم، أو يكون عليكم، لدلالة قوله: { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ }.

والثاني: أن تجعل (ما) كافة، و { أَوْثَاناً } مفعول به. و(الاتخاذ) هاهنا متعد لواحد. أو لاثنين، والثاني هو { مِّن دُونِ ٱللَّهِ } فمن رفع (مودة) كانت خبر مبتدأ مضمر، أي: هي مودة أي ذات مودة. أو جعلت نفس المودة مبالغة. والجملة حينئذ صفة لِـ { أَوْثَاناً } أو مستأنفة. ومن نصب كان مفعولاً له، أو بإضمار (أعني).

الثالث: أن تجعل (ما) مصدرية، وحينئذ يجوز أن يقدر مضاف من الأول. أي: أن سبب اتخاذكم أوثانا مودة , فيمن رفع (مودة) ويجوز أن لا يقدر، بل يجعل نفس الاتخاذ هو المودة مبالغة. ومن القراء من رفع (مودة) غير منونة وجرّ (بينكم) ومنهم من نصب (مودة) منونة ونصب (بينكم) ومنهم من نصب { مَّوَدَّةَ } منونة وجرّ { بَيْنِكُمْ }. فالرفع تقدم. والنصب تقدم أيضاً فيه وجهان. وجوّز ثالث، وهو أن يجعل مفعولاً ثانياً عن المبالغة والإضافة، للاتساع في الظرف.

ونقل عن عاصم أنه رفع (مودة) غير منونة ونصب (بينكم) وخرجت على إضافة (مودة) للظرف. وإنما بنى لإضافته إلى غير متمكن. اهأ.

وأشار العلامة القاشانيّ: إلى جواز أن يكون قوله تعالى: { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } خبراً لِـ (ما) إن كانت اسمية. وهو وجه لم يتعرض له المعرِبون هنا، ولا مانع منه. وعبارته:

إنما اتخذتم من دون الله، شيئاً عبدتموه مودوداً فيما بينكم { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } أو: إن كل ما اتخذتم من دون الله، شيئاً مودوداً فيما بينكم في الحياة الدنيا، أو: إن كل ما اتخذتم أوثاناً مودود في هذه الحياة الدنيا. أو لمودة بينكم في هذه، على القراءتين.

ثم قال: والمعنى أن المودة قسمان: مودة دنيوية، ومودة أخروية. والدنيوية: منشؤها النفس، والأخروية منشؤها الروح. فكل ما يحب ويودّ من دون الله، لا لله ولا بمحبة الله، فهو محبوب بالمودة النفسية.

السابقالتالي
2