الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } * { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ } أي: غلبة وتسلطاً بسوء وتكبّر { وَلاَ فَسَاداً } أي: بظلم وعدوان وصدّ عن سبيل الله تعالى { وَٱلْعَاقِبَةُ } أي: النهاية الحميدة { لِلْمُتَّقِينَ } أي: الذين يتقون ما لا يرضاه تعالى من الأقوال والأفعال.

قال الزمخشري قدس الله روحه: لم يعلق الموعد بترك العلوّ والفساد. ولكن بترك إرادتهما، وميل القلوب إليهما. كما قال:وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [هود: 113] فعلق الوعيد بالركون. وعن عليّ رضي الله عنه: إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه. فيدخل تحتها.

وعن الفضيل أنه قرأها ثم قال: ذهبت الأماني هاهنا. وعن عُمَر بن عبد العزيز، أنه كان يرددها حتى قبض. ومن الطُّمَّاع من يجعل العلوّ لفرعون، والفساد لقارون، متعلقاً بقوله:إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [القصص: 4]وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ } [القصص: 77] ويقول: من لم يكن مثل فرعون وقارون، فله تلك الدار الآخرة. ولا يتدبر قوله: { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } كما تدبره عليّ والفضيل وعمر رضي الله عنهم. { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } معناه: فلا يجزون إلا.. إلخ. فوضع فيه الموصول والظاهر، موضع الضمير، لتهجين حالهم بتكرير إسناد السيئة إليهم، والزيادة تبغيض السيئة إلى قلوب السامعين. ومعنى قوله: { إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي: مثله. وهذا من فضله العظيم وكرمه الواسع، أن لا يجزي السيئة إلا بمثلها. ويجزي الحسنة بعشر أمثالها وسبعمائة. وهو معنى قوله: { فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } كذا في الكشاف.