الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } * { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ }

{ فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى } أي: مبتدع لم يسبق له نظير. أو تفتريه على الله بنسبته له، وأنت تعلمته من غيرك. فالافتراء بمعنى الاختلاق أو الكذب { وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا } أي: السحر أو ادعاء النبوة، أو بأن للعالم إلهاً يرسل الرسل بالآيات { فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } أي: كائناً في أيامهم. قال الشهاب: وهذا إما تعمد للكذب وعناد بإنكار النبوات، وإن كان عهد يوسف قريباً منهم. أو لأنهم لم يؤمنوا به أيضاً { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ } قال المهايميّ: معناه: كفى دليلاً على كونها آيات، أنها خوارق ولم يسبق لها نظير. مع أن ما جئت به هدى. والساحر لا يدعو في العموم إلى هدى. فإن لم تعترفوا بكونه هدى، فربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده، ويعلم ذلك بالعاقبة, فإن الله يحسن عاقبة أهل الهدى لا محالة. لأنه يعلم من تكون له عاقبة الدار. وهي العاقبة المحمودة. والمراد بـ { ٱلدَّارِ } الدنيا. وعاقبتها وعقباها: أن يختم للعبد بالرحمة والرضوان. وتلقى الملائكة بالبشرى عند الموت. وهذه لا تكون للساحر إذا ادعى النبوة، لأنه ظالم فلا يفلح بالعاقبة الحميدة كما قال: { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } أي: بالدار وإن وجدوا بعض مقاصدهم أولاً استدراجاً، فلا يفوزون بالعقبى الحميدة. وإنما غاية أمرهم انقطاع أثرهم وسوء ذكرهم. وقد حقق الله هذا الوعد فجعل عاقبة قوم موسى رفيعة. ونهاية أعدائه وضيعة.

{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } هذا حكاية لتمرده وعتوّه وطغيانه في تفوهه بتلك العظيمة. كما واجه موسى عليه السلام بها في قولهلَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } [الشعراء: 29] وكما قال تعالى عنه:فَحَشَرَ فَنَادَىٰ * فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ * فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } [النازعات: 23-26] يعني: أنه جمع قومه ونادى فيهم معلناً بذلك. فانتقم منه بما جعله عبرة لمن اعتبر { فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ } أي: ناراً، فأتخذ منه آجراً.

قال الزمخشري: ولم يقل: 0اطبخ لي الآجرّ واتخذه) لأن هذه العبارة أحسن طباقاً لفصاحة القرآن وعلوّ طبقته، وأشبه بكلام الجبابرة. وهامان وزيره ومدبّر رعيته { فَٱجْعَل لِّي } أي: من الآجرّ { صَرْحاً } أي: قصراً رفيعاً إلى السماء { لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ } يعني: العليّ الأعلى، تبارك وتعالى { وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } أي: في دعواه الألوهية، والعلوّ لباري الأرض والسماوات.