{ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ } أي: من قبل قَصّها أثره. و { ٱلْمَرَاضِعَ } جمع مرضع بضم الميم وكسر الضاد. وهي المرأة التي ترضع. وترك (التاء) لاختصاصه بالنساء. أو جمع (مرضع) بفتح الميم مصدر ميميّ، جمع لتعدد موادّه. أو اسم موضع الرضاع، وهو الثدي { فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } أي: في رضاعه وتربيته { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا } أي: برؤيته { وَلاَ تَحْزَنَ } أي: بفراقه { وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ } أي: كمال قوته. { وَٱسْتَوَىٰ } أي: اعتدل مزاجه { آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } أي: في أعمالهم. ثم بين تعالى من نبئه عليه السلام، ما تدرج به إلى ما قدّر له من الرسالة، بقوله سبحانه { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ } أي: مصر آتياً من قصر فرعون { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } قيل: وقت القيلولة. وقيل بين العشائين { فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ } أي: يتنازعان { هَـٰذَا } أي: الواحد { مِن شِيعَتِهِ } أي: ممن يشايعه على دينه وهم بنو إسرائيل { وَهَـٰذَا } أي: الآخر { مِنْ عَدُوِّهِ } أي: ممن خالفه في دينه وهم القبط { فَٱسْتَغَاثَهُ } أي: سأله الإغاثة { ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ } لكونه مظلوماً { عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ } لكونه ظالماً. وإغاثة المظلوم واجبة فوجبت إغاثته من جهتين { فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ } أي: ضربه بجُمع كفَّه { فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } أي: فقتله. { قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ } يشير إلى تأسفه على ما أفضى وكزه، من قتله. وسماه ظلماً واستغفر منه بالنسبة إلى مقامه { قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي } أي: بقتله { فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ } يجوز أن يكون قسماً جوابه محذوف. أي: أقسم بإنعامك عليّ بالمغفرة، لأتوبنّ ولا أظاهر المجرمين. وأن يكن استعطافاً كأنه قال: رب! اعصمني بحق ما أنعمت عليّ من المغفرة. فلن أكون، إن عصمتني، ظهيراً للمجرمين. وأراد بمظاهرتهم، إما صحبة فرعون وانتظامه في جملته وتكثير سواده، وإما مظاهرة من أدت مظاهرته إلى الجرم والإثم، كمظاهرة الإسرائيليّ المؤدية إلى القتل الذي لم يحل له. قاله الزمخشري. قال الناصر: لقد تبرأ عليه السلام من عظيم. لأن ظهير المجرمين شريكهم فيما هم بصدده. ويروى أنه يقال يوم القيامة: أين الظلمة وأعوان الظلمة؟ فيؤتى بهم حتى بمن لاق لهم ليقة، أو يرى لهم قلماً، فيجعلون في تابوت من حديد ويلقى بهم في النار.