الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤمِنِينَ } * { إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } * { فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } * { وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ }

{ وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤمِنِينَ } أي: بما فيه من إقامة الدلائل ورفع الشبه التي يعقلها المؤمنون المنصفون المصدقون بالحق، المذعنون له { إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ } أي: بين مَنْ آمن بالقرآن ومن كفر به، بعدله وحكمته { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } أي: فلا يردّ قضاؤه الغالب في انتقامه من المبطلين { ٱلْعَلِيمُ } أي: بالفصل بينهم وبين المحقين.

ثم أمره تعالى بقلة المبالاة بأعدائه، وبالمضيّ في دعوته وانتظار الوعد الحق، بقوله: { فَفَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ } أي: الأبلج الذي لا ريب فيه. قال الزمخشري: وفيه بيان أن صاحب الحق حقيق بالوثوق بصنع الله وبنصرته، وأن مثله لا يخذل. ثم أشار تعالى إلى كفاية نفع دعوته للمؤمنين، الذين هم أولياؤه وحزبه، وإلى أن الكل لا يرجى منهم الهداية، كآيةوَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [يوسف: 103] تسلية عما كان يهمه من إيمانهم، بقوله سبحانه: { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ * وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ }.

قال الزمخشري: شُبِّهوا بالموتى وهم أحياء صحاح الحواس، لأنهم إذا سمعوا ما يتلى عليهم من آيات الله فكانوا أقماع القول، لا تعيه آذانهم. وكان سماعهم كلا سماع. كانت حالهم، لانتفاء جدوى السماع، كحال الموتى الذين فقدوا مصحح السماع، وكذلك تشبيههم بالصم الذين ينعق بهم فلا يسمعون. وشبهوا بالعمي حيث يضلون الطريق ولا يقدر أحد أن ينزع ذلك عنهم, وأن يجعلهم هداة بصراء، إلا الله عز وجل. فإن قلت: ما معنى قوله: { إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ }؟ قلت: هو تأكيد لحال الأصمّ. لأنه إذا تباعد عن الداعي، بأن يولّي عنه مدبراً، كان أبعد عن إدراك صوته. انتهى.

وإيراد قوله: { وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ } إثر ما تقدم، للمبالغة في نفي الهداية. وقوله تعالى: { إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا } أي: ما تسمع سماعا يجدي السامع نفعاً، إلا من شأنه الإيمان بها. وقوله: { فَهُم مُّسْلِمُونَ } تعليل لإيمانهم بها. كأنه قيل: فإنهم منقادون للحق. وقيل: معناه مخلصون، من قوله:بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ } [البقرة: 112] يعني جعله سالماً لله خالصاً له.