الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } * { أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } * { أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ تَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

{ أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } إضراب وانتقال، من التبكيت تعريضاً، إلى التصريح به خطاباً على وجه أظهر منه لمزيد التأكيد. أي: بل من خلق السماوات والأرض، وأودع فيهما من المنافع ما لا يحصى { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ } أي: بساتين ذات حسن ورونق يبهج النظار { مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ } أي: أَإِله آخر كائن مع الله، الذي ذكر بعض أفعاله، التي لا يكاد يقدر عليها غيره، حتى يتوهم جعله شريكاً له تعالى في العبادة؟ وهذا تبكيت لهم بنفي الألوهية عما يشركون به تعالى، في ضمن النفي الكليّ على الطريقة البرهانية، بعد تبكيتهم بنفي الخيرية عنه بما ذكر من الترديد. قال أبو السعود. { بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } أي: عن طريق الحق. أو به تعالى غيره. { أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً } أي: قارة لا تنكفئ بمن عليها. أو مستقراً لمن عليها، يتمتعون بمنافعها { وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً } أي: برزخاً مانعاً من الممازجة { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله } أي: في الوجود، أو في إبداع هذه البدائع { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي: شيئاً من الأشياء. ولذلك لا يفهمون بطلان ما هم عليهم من الشرك، مع كمال ظهوره { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ } وهو الذي أحوجه مرض أو فقر أو نازلة من نوازل الدهر، إلى اللجأ والتضرع إلى الله تعالى. اسم مفعول من (الاضطرار) الذي هو افتعال من (الضرورة) وهي الحالة المحوجة إلى اللجأ أي الالتجاء والاستناد.

قال ابن كثير: ينبّه تعالى أنه المدعوّ عند الشدائد، الموجود عن النوازل، كما قال تعالى:وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ } [الإسراء: 67] وقال تعالى:ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [النحل: 53] وهكذا قال هاهنا: { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ } أي: من هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه، والذي لا يكشف ضر المضرورين سواه؟

وقال ابن القيم في (الجواب الكافي): إذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف انكساراً بين يدي الرب وذلا له وتضرعاً ورقة، ثم توسل إليه تعالى بأسمائه وصفاته وتوحيده، فإن هذا الدعاء لا يكاد يردّ أبداً. ولا سيما إن صادف الأدعية المأثورة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنها مظنة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم.

ثم ساقها ابن القيم مسندة.

ثم قال: وكثيراً ما نجد أدعية دعا بها قوم فاستجيب لهم. فيكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه وإقباله على الله. أو حسنة تقدمت منه، جعل الله سبحانه إجابة دعوته شكراً لحسنته. أو صادف الدعاء وقت إجابة، ونحو ذلك، فأجيبت دعوته.

السابقالتالي
2