الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } * { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } * { إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ } أي: مددنا لهم في غيّهم، فهم يتيهون في ضلالهم. وكان هذا جزاء على ما كذّبوا به من الدار الآخرة والجزاء على الأعمال كما قال تعالى:وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [الأنعام: 110] { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ وَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } أي: أشد الناس خسراناً للنجاة وثواب الله. { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } أي: لتؤتاه وتلقنه من عند حكيم في أمره ونهيه، عليم بالأمور جليّها وخفيها. فخبره هو الصدق المحض والحكمة البالغة، كما قال:وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } [الأنعام: 115] والجملة مستأنفة، سيقت بعد بيان بعض شؤون القرآن الكريم، تمهيداً لما يعقبه من الأنباء الجليلة. وقد بدأ منها بما كان من أمر موسى عليه السلام واصطفائه وإيتائه من الآيات الباهرة ما أذلّ معانديه، وجعلهم مثل السوء. فقال سبحانه: { إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لأَهْلِهِ } أي: حين قفل من مدين إلى مصر، وأضَلَّ الطريق { إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } أي: رأيتها { سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ } أي: عن الطريق { أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ } أي: بشعلة مقتبسة { لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } أي: تتدفئون به { فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا } أي: بورك من في مكان النار ومَن حول مكانها. ومكانها البقعة التي حصلت فيها. وتدل عليه قراءة أُبيّ (تباركت الأرض ومن حولها) وعنه: بوركت النار. والذي بوركت له البقعة، وبورك من فيها وحواليها، حدوث أمر دينيّ فيها، وهو تكليم الله موسى، واستنباؤه له، وإظهار المعجزات عليه. ورب خير يتجدد في بعض البقاع، فينشر الله بركة ذلك الخير في أقاصيها ويبث أثار يمنه في أباعدها. فكيف بمثل ذلك الأمر العظيم الذي جرى فـ تلك البقعة المباركة؟ كذا في (الكشاف).

وقال السمين: (بارك) يتعدى بنفسه. فلذلك بني للمفعول. باركك الله، وبارك عليك، وبارك فيك وبارك لك. والمراد بـ { مَنْ } إما الباري تعالى وهو على حذف مضاف، أي من قدرته وسلطانه في النار. وقيل المراد به موسى والملائكة. وكذلك قوله: { وَمَنْ حَوْلَهَا } وقيل المراد بـ { مَنْ } غير العقلاء. وهو النور والأمكنة التي حولها. انتهى.

ولذا قال الزمخشري: والظاهر أنه عامّ في كل من كان في تلك الأرض وفي ذلك الوادي وحواليهما من أرض الشام. قال: ولقد جعل الله أرض الشام بالبركات موسومة في قوله:وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 71] وحقت أن تكون كذلك. فهي مبعث الأنبياء صلوات الله عليهم، ومهبط الوحي إليهم، وكفاتهم أحياء وأمواتاً.

ثم قال: ومعنى ابتداء خطاب الله موسى بذلك عند مجيئه، هي بشارة له بأنه قد مضى أمر عظيم تنتشر منه في أرض الشام كلها البركة.

السابقالتالي
2