الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ } * { قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

{ وَصَدَّهَا } أي: وكان صدها عن الهداية { مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ * قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ } أي: القصر، أو صحن الدار وكان سليمان عليه السلام اتخذ قصراً بديعاً من زجاج، فأراد أن يريها منه عظمة ملكه وسلطانه، ومقدار ما آثره الله به { فَلَمَّا رَأَتْهُ } أي: صحنه { حَسِبَتْهُ لُجَّةً } أي: ماء عظيماً { وَكَشَفَتْ } أي: للخوض فيه { عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ } أي: مملّس { مِّن قَوارِيرَ } أي: من الزجاج { قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي } أي: بكفرها السالف وعبادتها وقومها الشمس { وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي: متابعة له في دينه وعبادته لله وحده لا شريك له.

تنبيهات

الأول: روى كثير من المفسرين ههنا أقاصيص لم تصحّ سندا ولا مخبراً. وما هذا سبيله، فلا يسوغ نقله وروايته.

قال الحافظ ابن كثير، بعد أن ساق ما رواه ابن أبي شيبة عن عطاء مستحسناً له، ما مثاله: قلت: بل هو منكر غريب جداً. ولعله من أوهام عطاء بن السائب على ابن عباس، والله أعلم.

ثم قال: والأقرب في مثل هذه السياقات أنها متلقاة عن أهل الكتاب، مما وجد في صحفهم. كروايات كعب ووهب، سامحهما الله تعالى، فيما نقلاه إلى هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل، من الأوابد والغرائب والعجائب. مما كان ومما لم يكن. ومما حرف وبدل ونسخ. وقد أغنانا الله سبحانه عن ذلك بما هو أصح منه وأنفع وأوضح وأبلغ، ولله الحمد والمنة.

الثاني: أشير في (التوراة) في الفصل الرابع من سفر الملوك الثالث إلى تفصيل نبأ سليمان عليه السلام وعظمة ملكه وسلطانه. ومما جاء فيه أن سليمان كان متسلطاً على جميع الممالك من نهر الفرات إلى أرض فلسطين وإلى تخم مصر. وإن ملوك الأطراف كانوا يحملون له الهدايا خاضعين له كل أيام حياته أي أنها تؤدّي له الجزية، وإن كان ملكه محصوراً في فلسطين، وأن الله تعالى آتاه حكمة وفهما ذكيا جداً، وسعة صدر. ففاقت حكمته حكمة جميع أهل المشرق وأهل مصر. وقال ثلاثة آلاف مثل. وتكلم في الشجر، من الأرز الذي على لبنان إلى الزوفى التي تخرج في الحائط. وتكلم في البهائم والطير والزحافات والسمك. وأما صرحه وبيته عليه السلام، فقد جاء وصفه في الفصل الخامس من السفر المتقدم. وأنه أكمل بناءه في ثلاث عشرة سنة. وأنه بنى جازَرَ وبيت حورون السفلى وبعلت وتدمر في أرض البرية. وجاء في الفصل العاشر من هذا السفر أيضا قصة ملكة سبأ ومقدمها من اليمن على سليمان لتخبر حكمته وعظمة ملكه، ودهشتها مما رأته وتحققته، وإيمانها بربه تعالى. ثم إعطاؤه إياها بغيتها.

السابقالتالي
2